اقرأ في هذا المقال
- ولادة الملك فيصل ونشأته
- الملك فيصل في ظل والده عبد العزيز
- أعمال الملك فيصل على الصعيد الداخلي العربي والإسلامي
ولادة الملك فيصل ونشأته:
هو فيصل بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود، يعرف باسم ابنه الكبير عبد الله الذي أسماه والده فيصل، تقيداً بفيصل بن تركي مؤسس الدولة السعودية الثانية، ولد الفيصل في عام 1324/ 1909 ميلادي في مدينة الرياض، في يوم انتصار والده عبد العزيز آل سعود على ابن الرشید في معركة روضة مهنا، بحيث أصبحت القصيم تحت الحكم السعودي.
توفيّت والدته وهو رضيع، فعاش طفولته في بيت جده والد أمه، لقد تربى الملك فيصل بالمزج بين الثقافة الدينية التي تولاها جده الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف أحد علماء عصره، وبين التربية السياسية والاجتماعية والعسكرية التي تولاها أبوه الملك عبد العزيز آل سعود. فعلّمه حسن التصرف مع جميع الناس والصبر والكتمان وضبط النفس وعزتها.
قام والده في اختيار مجموعة من الرجال ليقوموا في تعليمه ركوب الخيل والرمي وفنون الصحراء، فقد وتمرس الملك فيصل بهذه الأمور ومارسها بشجاعة وإقدام، ولكن فيصل لم يكتف بهذا المستوى من الثقافة الذي تلقاه في منزل جده والد أمه، وإنما كان يزيد من معرفته بالرغم من كثرة أعماله، من خلال مطالعته الشخصية والاستماع إلى الأحاديث وكثرة السفر، معتمداً في كل ذلك على جهده ونباهته وذكائه.
إنّ ثقافة الملك فيصل كانت عبارة عن خليط بين الثقافة الدينية التي تعلمها في طفولته واستمر على تتبعها وتنميتها بالقراءة والاستماع، وبين الثقافة الأدبية التي نمتها مطالعاته ومجالسه وميوله التي فطر عليها، بالإضافة إلى ذلك رحلاته إلى العديد من بلاد العالم، ووقوفه على الحضارة الغربية بكل مظاهرها وقواعدها.
لقد اعتقد العديد من رجال الغرب الذين تحدثوا عنه أنه متخرج من إحدى الجامعات الغربية؛ لأن أحاديثه تدل على إطلاع واسع، وكذلك شموله بالمذاهب السياسية والاجتماعية الحديثة، ولهذا السبب اعتبروا أنّ من حسن حظ المملكة العربية السعودية أن يكون لعبد العزيز ابن مثل فيصل في تلك الفترة، فقد اتصلت المملكة بحضارة الغرب وسياسته، بحيث يستطيع التحدث إليهم، ويأخذ منهم ما ينفع بلاده ويبتعد عن ما يضرها، وكل ذلك بحكمة وذكاء كبير منه.
ومن الملفت في فترة دراسة الملك فيصل أنه كان يعطي دراسة التاريخ والسير والأخبار الكثير من الوقت؛ لأن التاريخ بنظره هو ضمير الأمة الحي فإذا احتفظ به بقت الدولة تتمسك بأساس حياتها، وإن ضاع تاريخها تشتت وتلاشت إلى الأبد، وعندما قام العديد في سؤال الملك فيصل عن الكتب التي كان يحب قراءتها في بداية شبابه، قال: بعد القرآن والحديث، كتب التاريخ والأدب.
وفي عام 1373/ 1953 ميلادي توفى مؤسس المملكة العربية السعودية، الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود في الطائف، بعد أن حقق دور تاريخي عظيم في حياة الجزيرة العربية، وذلك من خلال تأسيسه دولة قوية موحدة متناسقة الأطراف، بحيث تولى الأمير فيصل وبعض إخوانه نقل جثمان والدهم إلى الرياض، حيث دفن فيها بطريقة متواضعة، وفي قبر بسيط حسب التقاليد النجدية في ذلك الوقت، بويع ولي العهد الأمير سعود بن عبد العزيز ملكاً للمملكة العربية السعودية، كما بويع الأمير فيصل ولياً للعهد مع احتفاظه بمراكزه السابقة.
ما يجدر الإشارة له هنا أنّ الملك عبد العزيز كان قبل رحيله بشهر قد أسس مجلس للوزراء وجعل ابنه البكر وولي عهده الأمير سعود الملك، وعين أخاه الأمير فيصل نائباً لرئيس مجلس الوزراء بناء لطلب والده، فإنّ الأمير فيصل كان عند وفاة والده الملك عبد العزيز قد تولى مختلف المهام الظاهرة والهامة في الدولة السعودية فقد تمرس بها، مما جعله مهيئاً لتحمل مسؤوليات أكبر في المرحلة اللاحقة بعد رحيل القائد المؤسس، فذلك ظهر بكل وضوح منذ البداية.
لقد كان الملك فيصل يساعد أخاه الملك سعود عندما ولاه والده الحكم بعده، وكانت أول مشكلة واجهة الملك سعود هو عدم دعوة وزارته إلى الاجتماع في جلسة رسمية إلا بعد مرور أربعة أشهر على توليه الملك، إذ لم يكن يميل إلى عقد الاجتماعات والاستماع إلى المناقشات ودراسة الملفات، وحتى بعد انتظام جلسات مجلس الوزراء، فإنّ الأمير فيصل هو الذي كان يتولى رئاستها وينظم شؤونها بصفته النائب العام لرئيس مجلس الوزراء، وكان يهتم أيضاً بشؤون الدولة الأخرى، مما يعني أنه كان القائد الفعلي للمملكة.
فقد كان الملك فيصل في ذلك الوقت يشغل مكان مهماً في تاريخ المملكة العربية السعودية، وكان محط أنضار الكثير؛ فالسبب وراء ذلك قوة إرادة الملك فيصل وذكائه الكبير وحنكته السياسية وإلمامه بالمعرفة في شتى المجالات، فقد مثل مقولة الرجل المناسب في المكان المناسب.
الملك فيصل في ظل والده عبد العزيز:
إنّ من يقوم بدراسة تاريخ الدولة السعودية يجب عليه الإشارة إلى الإنجازات الكبيرة التي حققها كل من الملك عبد العزيز آل سعود وابنه الملك فيصل؛ حيث يعتبر تاريخ المملكة السعودية الجزء الكبير من شبه الجزيرة العربية، والتي حققت النجاح على يد الملك عبد العزيز، فقد أصبحت قوية منيعة، وعرفت على يد الملك فيصل التنظيم والتخطيط.
وإذا كان عبد العزيز يعتبر القائد المؤسس والموحد للمملكة، فإنّ فيصل بالإضافة إلى مشاركته لوالده في معركة التأسيس والتوحيد، قد انفرد لنفسه في قيادة عملية البناء الداخلي للمملكة وإطلالتها على العالم الخارجي، فعلى المستوى الداخلي يعتبر الملك فيصل مؤسس الإدارة السعودية الحديثة، وصاحب الفضل في تنمية القطاعات الاقتصادية المختلفة، ومعالجة قضايا المال والتعليم والعمران والشؤون الاجتماعية في بلاده.
أعمال الملك فيصل على الصعيد الداخلي العربي والإسلامي:
أما فيما يتعلق بالمستوى الداخلي العربي، فقد واكب الملك فيصل من موقع المسؤولية كل العناصر المهمة في تاريخ العرب المعاصر، والتي بدأت من مؤتمر الصلح عام 1919 ميلادي مروراً بالقضية الفلسطينية في جميع مراحلها، وتأسيس الجامعة العربية عام 1945 ميلادي وقضايا الاستقلال وانتهاء بحرب تشرين عام 1973 ميلادي.
وأما فيما يتعلق بالقضايا الإسلامية فقد حمل فيصل لواء الدعوة إلى تضامن الدول والشعوب الإسلامية، ونجح في تأمين انعقاد المؤتمر الإسلامي بصورة مستمرة، وفي إيجاد المؤسسات الدائمة المرتبطة به، وقد شارك في تأسيس هيئة الأمم المتحدة عام 1946 ميلادي، وقام بزيارات لعدد من دول العالم في الشرق والغرب وأقام علاقات وطيدة ووثيقة معها قوة من مكانة المملكة العربية السعودية في العالم.
وفي جانب آخر قام الملك فيصل بمصادقة أكثر رجال الفكر شهرة مثل برت راند رسل وغيره، كما انفرد بنهج وطريقة خاصة عرفت بالتواضع وتجنب الترف الزائد، وكان هذا المستوى التاريخي الشامل للدور الكبير ومتعدد الجوانب الذي لعبه الملك فيصل على وقائع الأحداث في بلاده.