النهضة الثقافية في دولة الكويت

اقرأ في هذا المقال


الثقافة في دولة الكويت:

نشير في هذا الشأن إلى تطوع عدد ممن يمتلكون ثروة كبيرة في الكويت ليقوموا في عملية دعم دراسات كبيرة وجدية في قضايا التاريخ والاجتماع عبر عصور التاريخ العربي المختلفة، بحيث تضمنت تلك المجموعات أصحاب الفكر والبحث في الدول العربية، ونشير إلى أنّ الممولين لم يبحثوا عن الشهرة، أو حتى الظهور في المقدمة، فقد كانوا يسعون ليصبحوا من جنود الخفاء، فلم نعرف أسماءهم، بل عهدوا إلى باحث معروف من بين الجامعيين الكويتيين ليكون وسيلة بيننا وبينهم، ونشرت الجماعة مجموعة من الدراسات المبرمجة، ولكن لأسباب عديدة فشل هذا المشروع.

لقد تميز أصحاب الأموال الكبيرة في دولة الكويت بالعديد من الصفات كان من أبرزها إنشاء مشروعات ثقافية ذات طابع عربي، ينفقون عليها بكل جد ما يملكون، وذلك لإيمانهم بأهمية العامل الثقافي في النهضة العربية. ومن أهم هذه المؤسسات التي كان لها أثر كبير المدى في دعم البحث العلمي، والمشروعات الثقافية بالشكل العام، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.

وهي مؤسسة خاصة أنشأت عام 1976 ميلادي، بحيث كانت تلك المؤسسة ذات نفع عام، قام بتأسيسها صاحب السمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، وقد كان في تلك الفترة ولياً للعهد، ورئيساً لمجلس الوزراء، حيث شاركت غرفة تجارة وصناعة الكويت في تقديم الدعم والمساعدة للمؤسسة مادياً.

أهداف مؤسسة الكويت للتقدم العلمي:

من أهم أهداف تلك المؤسسة ما يلي:

  •  قيامها بدور هام في مساعدة القائمين على البحوث العلمية المختصة، التي تتمتع بطابع رفيع المستوى.
  • تعمل أيضاً على تقديم المنح الدراسية والجوائز التشجيعية للدارسين والباحثين في القطاعات المختلفة.
  •  تشجيع روح التكافل والتشارك بين الأجيال في الكويت.

دار سعاد الصباح للنشر:

ونشير هنا أيضاً إلى بعض من المؤسسات الثقافية الخاصة وهي دار سعاد الصباح للنشر، وهي ليست دار نشر تجاري، كما يظهر من خلال اسمها، بل هي مشروع ثقافي كويتي عربي، غايته رسالة نبيلة في خدمة الثقافة العربية الإسلامية كل فترة العقدين الماضيين.

مهام مؤسسة دار الصباح للنشر:

ومن مهام تلك المؤسسة قيامها بالإشراف على تنظيم مسابقات الشيخ عبدالله المبارك الصباح للإبداع العلمي، ومسابقات الدكتورة سعاد الصباح في هذا المجال، وهي مسابقات تسعى بالمرتكز الأساسي إلى تشجيع المبدعين من شباب العرب، كما قدمت الدار الدعم إلى المؤسسات الثقافية العربية في مشرق العالم العربي ومغربه، بحيث نُشرت العديد من الكتب في جميع قطاعات الإبداع والمعرفة، وعملت على إعادة نشر عدد كبير من مؤلفات التراث، ومن أهم ما قامت به تلك المؤسسة إعادة طباعة مجلة الرسالة المصرية البالغ عددها 1020 عدداً، وهي المجلة التي زودت أجيال كثيرة بالمعلومات الثقافية.

فقد أنشأت الدار مشروعاً خاص بأصحاب حركة التنوير العربية، فأصدرت كتباً تكريمية لهؤلاء الرواد وكان من أبرزهم: عبد العزيز حسين وإبراهيم العريض ونزار قباني وثروت عكاشة وعبدالله الفيصل وعبد الكريم غلاب، ومن هذه المؤسسات التي أصبح لها شهرة واسعة في إطار الثقافية العربية والدولية وهي مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، التي أسست عام 1989 ميلادي، وكانت مهمتها العناية بالشعر العربي، وكذلك قدمت عناية خاصة لإحياء التراث الشعري القديم، وعملت على الاهتمام بالشعر الحديث، وتشجيعها للشعراء العرب الشبان وقامت بتكريم عدد كبير من الشعراء.

قامت تلك المؤسسة في إعداد ملتقيات دولية باسم شعراء رواد مثل: أبو القاسم الشابي ومحمود سامي البارودي وأحمد مشاري العدواني والأخطل الصغير وأبو فراس الحمداني وعلي بن المقرب العيوني، ويعد أهم عمل قامت بإنجازه هذه المؤسسة الرائدة إصدار معجم البابطين للشعراء العرب.

علاقة التجّار في تطور دولة الكويت:

إنّ السبب وراء ما وصلت إليه دولة الكويت من تطور كان يرجع إلى ما عرفت به مجموعة التجار الكبار في هذا البلد من معرفة شاملة وتفتح على العالم الخارجي منذ زمن طويل، فقد جمعت دولة الكويت ثروتها من التجارة البعيدة المدى، أي من التجارة الدولية كما تعرف في عصرنا الحالي، فالسفر المتواصل والاختلاط بثقافة الشعوب الأخرى، كان له أثر كبير في تطور ثقافة هذه الفئة، وقد اختلفت نظرتها إلى الحياة، وهذا يدل على تقدمها، وعداءها للغلو والتطرف منذ فترة طويلة.

‏وفي هذا السياق نشير إلى أنّ النشاط الاقتصادي لشعب دولة الكويت اعتمد قبل المرحلة النفطية على مهنتين أساسيتين: مهنة الغوص ومهنة التجارة، واعتمدت بالشكل الأساسي على المسالك البحرية، فقد عدت الكويت نقطة وصل نشطة في منطقة الخليج بين التجارة البحرية وتجارة القوافل، فقد قامت في عملية الربط بين فضاء المحيط الهندي وسواحل البحر المتوسط، فقد كانت القوافل تنقل البضائع من مرفأ الكويت في اتجاه شواطئ بلاد الشام عبر البادية، إلى حلب ثم إلى دمشق، ثم في اتجاه مرافئ البحر المتوسط.

لقد أشار المثقف الكويتي الكبير المرحوم عبد العزيز حسين عن مدى تأثير مهنتي الملاحة والتجارة في حياة وتقاليد  الكويتيين، فقال: (إنّ اعتمادهم على المهنتين المذكورتين لتأمين حياتهم أكسبهم تفتحاً ذهنياً واستعداداً لتقبل كل جديد مفید، کما أصبحوا واقعيين في معالجة أمورهم وممارسة أعمالهم، فلا يذهب بأحدهم الخيال حتى يغيب عن أرض الحقيقة، ولا يسير وراء الأماني العراض حتى تنقطع صلته بالواقع، وأصبح قياسهم للأشياء بمقدار ما تؤديه من منفعة أو ضرر مادي).

فقد فقل بينهم التعصب الديني والتعصب المذهبي، ولم يجد أولياء الله الصالحون، ولا رجال التصوف مكاناً لهم في الكويت، كما لم توجد قبور تزار أو قباب تقدس، ولم يدفن في مسجد من مساجد الكويت أحد من الصالحين أو المحسنين، بل تميزت المساجد بالبساطة التي يدعو إليها الدين في أماكن العبادة، كما كان طابع البساطة واضح في جميع المناسبات من المأتم والأفراح، بحيث لا توجد مبادئ معقدة فيها ولكن وجد فيها طرق علمية واقعية بسيطة جداً. وفي ذلك الوقت قد يتزوج الكويتي في الليل ثم يعود إلى الاستمرار بعمله في الغد، وقد يودع شخصاً عزيزاً عليه في مثواه الأخير ثم يباشر عمله في سفينته أو دكانه.

أما بالنسبة لمهنة الغوص في الدولة الكويتية فقد ظهرت مع تدفق الثروة النفطية إلى المتاحف الأثرية وإلى الكتب، وحافظت عليها ذاكرة الشيوخ التجارة فقد أخذت طريقاً جديداً هو البعد الدولي المعاصر والارتباط بعواصم الغرب الكبرى، للاستفادة من التقاليد القديمة وتقاليد الانفتاح على حضارات الشعوب، وأسباب تقدمها.

ومن الزيارات التي بقيت راسخة في الذاكرة، الزيارة التي تم التعرف من خلالها على رائد كبير من رواد نهضة الكويت الحديثة، هو المرحوم عبد العزيز حسين، فقد دعى العديد من الأشخاص ليقوموا في المساهمة في إحدى الندوات الفكرية التي أقامها، وكان الهدف منها هو إعداداً لوضع الخطة الشاملة للثقافة العربية، وقد عهد إليه وزراء الثقافة العرب برئاسة لجنة وضع الخطة، فقد كانت دولة الكويت المقر الأساسي لها.


شارك المقالة: