البداية الأولى لتأسيس دولة الكويت:
لقد وردت العديد من الآراء المختلفة حول السنة التي تأسست بها دولة الكويت، وكذلك السنة التي تواجد على أرضها آل الصباح و آل خليفة، حيث لم يتم الثبات على رأي بخصوص ذلك الشأن، ورد على لسان مدحت باشا: ونسل هؤلاء العرب ويقصد بهم آل الصباح من الحجاز، فقد كانوا متواجدين قبل خمسمئة سنة، وقد حضروا إلى هذا المكان وكان معهم جماعة من مطير، حيث قال هذا في عام 1287 في أيام عبدالله الصباح الثاني.
وفي إحدى رسائل الشيخ مبارك التي أرسلها إلى العديد من ولاة البصرة إنّ دولة الكويت تأسست في عام 1022، ويقول البعض إنّ كلمة طنی الماء هو تاريخها، أي في عام 1083، وآخرون يقولون تأسست في عام 1100، أما العلامة الشيخ إبراهيم بن شیخ محمد الخليفة شيخ الأدباء في البحرين فيرى أنّ تأسيسها كان في عام 1125، وجميع هذه الأقوال كانت مجرد حدس وتخمین، حيث كان أقربها إلى الصحيح القولان الأخيران.
وإنّ معرفتنا عدد الحكام الذين تولوا الحكم في دولة الكويت من آل الصباح يبعد كثير من الغموض، بحيث تكون لدينا حجة قوية في رفض جميع الأقوال، لا سيما إذا علمنا أنّ صباح الأول هو أول الحكام وقد توفى في عام 1190، وفي ذلك السياق لا يمكننا القول بأنّ ذاك صحيحاً بشكل كامل.
إنّ الكويت كانت موجودة قبل عام 1134، وذلك كما قاله الشيخ إبراهيم بن عيسى النجدي، حيث أكده الأستاذ الجليل الشيخ عبدالله الخلف الدحبان، فقد ذكر في مجموعة مشائخه الشيخ محمد بن فیروز جد ابن فيروز المشهور، وقال: إنه توفى في الكويت عام 1135.
معنى كلمة الكويت:
الكويت تصغير کوت، وهي كلمة مشهورة الاستخدام في العراقونجد وما حولها من البلاد العربية والعديد من بلاد العجم، وقد استخدمت بين السكان هناك، فجمع كلمة كویت أکوات وبالمصغر سميت البلدة التي على ضفاف الخليج العربي، بحيث يطلق ذلك الاسم عندهم على المنزل المربع المبني كالحصن والقلعة، وغيرها مما يبنى حوله بیوت صغيرة، ويكون هذا البيت مكان ترسو عنده السفن والبواخر؛ لتتزود منه بما بنقصها من الفحم والطعام وما لازم من حاجات السفر، وتلك البيوت لا يطلق اسمها إلا على ما يبني بالقرب من الماء سواء كان من البحر أو النهر أو البحيرة أو المستنقع، وقد يطلق الكوت على النهر الصغير ويسمى به بعض القرى.
نسبة اسم كويت:
لقد سميّت بذلك الاسم نسبة إلى حصن صغير كان متواجد في أحدى أحيائها، فقد قام ببنائه محمد الاصقة بن عريعر زعيم بني خالد، وقد أقام فيه أحد عبیده، بحيث عده مكان مناسب لحفظ الطعام والذخيرة وما يحتاج إليه، فإذا عزم على الغزو في جهة الشمال أو المرعی، فقد يتزود منه بما يلزمه، فتلك أماكن قريبة من الحصن، وقيل أسّسه آل الصباح أنفسهم بعد هبة ابن عريعر لما ما حوله من الأرض.
في تلك الفترة عدت دولة الكويت قبل قدوم آل صباح إليها، بأنّها أرض فقيرة لا يسكنها إلا بعض من القبائل التابعة لابن عريعر، وأول من أسس فيها البيوت الحجرية هم آل الصباح الذين اتخذوها مقراً لهم، فالكويت في تلك الفترة لم يحكمها شخص غريب عن الذين أسسوها ولم ينفرد بالأمر والنهي فيها أحد غيرهم، على الرغم من كثرة الأعداء الذين أحاطوا بها.
نسب آل الصباح:
نشير هنا إلى نسب أبرز الأسر في دولة الكويت وهي آل الصباح وآل خليفة آل سعود، بحيث تعود نسبهم إلى قبيلة عنزة المشهورة، وهي من أكبر قبائل العرب وأشهرها إلى وقتنا الحاضر، وتنقسم كغيرها من القبائل إلى العديد من الأفخاذ، ومن تلك الأفخاذ (جميلة)، وتنقسم جميلة إلى عدة أقسام منها الشملان، وتنقسم الشملان إلى عشائر منها آل الصباح.
وكانت الشملان الموطن الأساسي لأسرة آل الصباح، وبسبب هجرتهم منه اختلف في وطنهم الأصلي الذي كانوا فيه زمن صباح الأول جدهم الأكبر فقيل كانوا في نجران، وقيل بل انحدروا من خيبر، والأصح في هذا الشأن أنهم كانوا في مدار مقاطعة الافلاج في نجد. أما سبب هجرتهم منه لم يكن معروفاً.
فقد عرف عنهم بأنهم كانوا يتمتعون بالكفاءة والاقتدار، فهناك محاوله يريدون من خلالها العودة إلى موطنهم، حين لم يتمكنوا من تحقيق ما كانوا يسعون إليه، والخلاصة أنّهم هجروا وطنهم العزيز فما زالوا متنقلين من جبل إلى وادِ، وحياتهم متمثلة بالحل والترحال من بلد إلى أخرى، حتى وصلوا إلى الكويت.
حيث أنشأوا تلك البلدة التي حسدهم عليها القريب والبعيد، وعملوا على تأسيس تلك المدينة الصغيرة التي هي الأصل في تاج الخليج العربي، فقد اعتبرت جوهرة باهظة أضاءت ما يحيط بها، وستأخذ بأيدي غيرها إلى المجد، بعد أن يقودها أهلها والمسيطرون عليها إلى التقدم والازدهار.
لقد مر آل صباح قبل الكويت بالعديد من البلاد، حيث مروا بقطر فأقاموا فيها مراكبهم واستوطنوها في أثناء فترة حكم آل مسلم لها، ولكن قام أحدهم بقتل رجل من أهلها؛ بسبب سخريته منه واستهزائه به، وبعد ذلك غضب منهم حكام آل مسلم، حيث قاموا بأمرهم في الخروج من البلاد، وقد سمع آل الصباح وإخوانهم الطلب، فقد غادروا من خلال سفن شراعية لديهم، ثم ساروا بها في عرض البحر وطوله.
في أثناء مغادرتهم للبلدة قام آل مسلم بتجهيز سفناً ووجهوها خلفهم ليقوما في مقاتلتهم، ولكن الأسباب وراء ذلك كانت مجهولة، وعندما وصل آل صباح إلى البر كانوا على استعداد للقتال، حيث دار بينهم وبن آل مسلم قتال شديد، فقد كان النصر حليف آل الصباح، بحيث كانوا لا يريدون من وراء ذلك النصر السكن في قطر، فقد ساروا مقابل قيس من بلاد فارس، حيث ذهبوا إلى الحراق، ولكن لم يناسبهم المكان، فتحولوا إلى الصبية وهي أرض تقع في شمال الكويت الشرقي، وتبعد عنها نحو ستة عشر ميل.
وفي أثناء تواجدهم فيها لم يحالفهم الحظ مثلها مثل غيرها من البلاد التي نزلوا فيها، فهجروها ونزلوا الكويت كما هو معروف، ويذكر سبب تحولهم عنها؛ إنّ الحكومة العثمانية طردتهم منها لأنهم كانوا يقومون في السلب والنهب وقطع الطريق في تلك الجهات، أما تركهم الصبية فيقال هو من الحكومة أيضاً ويقال بل أنّ قبيلة الظفير قامت بمهاجمتهم وفي طريقها إليهم قبضت على رجل منهم ولم تفلته إلا بعد أن أخذت عليه العهد إلا يخبرهم.