نبذة عن تاريخ بناء دولة قطر الحديثة:
لقد دخلت دولة قطر في بداية النصف الثاني من القرن العشرين في عهد جديد من تاريخها، حيث ازدادت خلال تلك الفترة الميزانية الاقتصادية للدولة من خلال تدفق الأموال بها مع تزايد تدفق النفط وتصديره بكميات كبيرة إلى الدول المجاورة، وقد حكمها خلال هذه الفترة الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني منذ عام 1949/ 1960، ثم ابنه الشيخ أحمد بن علي منذ عام 1972/ 1960، ثم الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني منذ عام 1972/ 1995.
فقد شهدت دولة قطر خلال هذه المرحلة ولأول مرة وجود ضابطاً بريطانياً يُقيم في عاصمتها، كذلك تم منح دولة قطر استقلالها بشكل نهائي عن النفوذ البريطاني منذ بداية عام 1971 ميلادي، فكانت تلك الفترة مهمة جداً في حياة القطريين؛ لأنها شهدت تحولات عميقة في جميع المجالات، حيث استمرت بذلك نحو عقدين من الزمان.
كان أبرز ملامح التطور الذي شهده المجتمع القطري في تلك الفترة هو التحول من مجتمع البداوة إلى مجتمع أكثر تطوراً، حيث أصبح مجتمع قائم على معطيات الحضارة الحديثة في جميع نواحيها السياسية والإدارية والإقتصادية، بالإضافة إلى ما يصاحبها من تطورات اجتماعية في جميع القطاعات، وفي تلك الفترة تم توقيع معاهدة الحماية المعقودة بين دولة قطر وبريطانيا في عام 1916 ميلادي، والتي تم تجديدها في عام 1935 ميلادي.
وفي عام 1949 ميلادي تم تأسيس فرع للبنك الشرقي بالدوحة، قام بافتتاحه جراي وماكنزي، كما تمت المباحثات مع المسؤولين عن البرق والتليفون والبريد، ليتم افتتاح مكاتبها بالدوحة خلال مدة بسيطة، ولم يقم الحاكم بإجراء أي تغییرات تتعلق الأمور الإدارية أو المالية، خاصة فيما يتعلق بنظام المحاسبات أو تحديد وتنظيم أوجه الأنفاق أو حتى إعداد ميزانية خاصة بالبلاد.
وفي عام 1950 ميلادي استمرت دولة قطر بمسيرة تحولها، فتم اختيار مكان مخصص لتأسيس مدرسة، كما تم تأسيس طريق جيد لكورنيش الدوحة واختير مكان آخر لإقامة مرسى يضم مبنى للجمارك، أما البوليس الذي عهدت مهمة تكوينه لکوکرین قائد الأمن الذي حقق تقدماً كبيراً في إعداده وتدريبه، فقد بلغت قوة أفراده 140 رجلاً قوياً مدرباً بشكل جيد، وقد تم استبدال معظم الحراس المحليين في معسكرات شركة النفط برجال من هذا البوليس.
تأسيس نظام إداري في دولة قطر:
منذ بداية النصف الثاني للقرن العشرين وخلال عهد الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني منذ عام 1949/ 1960 لم تعرف دولة قطر تنظيمات الدولة الحديثة بإدارتها وحكومتها، فقد كانت السلطة فيها تسير بشكل تقليدي، تتركز في يد الشيخ الحاكم وكبار رجال أسرته، وكانت السلطة تستمد قوتها من مدى قوة الحاكم الشخصية ومكانته الاجتماعية بين الناس، وكذلك وضعه الاقتصادي الجيد، ومن ثم كان يدير بأسرته شؤون البلاد بشكل مباشر، بناء على مبادئ وتقاليد اجتماعية متعارف عليها في تلك الفترة.
كان الشيخ يتولى الحكم في البلاد من خلال مبايعة أهل الحل والعقد له، فقد تجتمع في يده جميع السلطات، بالإضافة إلى اعتباره الحاكم والمقر للقوانين والمنفذ والقاضي في وقت واحد، فإنّ ذلك يدل على امتداد مبدأ الخلافة في النظم الإسلامية، فلم يكن هناك تشريع أو قانون مكتوب يقوم بتحدد سياسة الحكم، وإنما كانت السيادة في تلك الفترة تقوم على التقاليد والأعراف المتوارثة.
وبالرغم من أنّ الحكم يقوم على أساس السلطة المطلقة للشيخ الحاكم، إلا أنه كان في معظم الأحيان يلجأ إلى عقد مجالس مؤقتة تتشكل من كبار الأعيان والعلماء والتجار؛ ليقوم بعملية استشارتهم في معظم الأمور المتعلقة بالإدارة كلما دعته الحاجة إلى ذلك.
وكانت سلطة الحاكم شاملة فيما يخص مسائل القضاء المتعلقة بالمواطنين القطريين، بحيث كان يولي عملية إدارتها القضاة الشرعيين والمدنيين، فقد يتولى بنفسه مهمة اختيارهم وتعيينهم، كما كان يقوم بعملية إصدار القوانين والتشريعات الضرورية اللازمة لإدارة شؤون البلاد، ويقوم عن طريق ممثليه المدنيين بتصريف جميع الأمور المتعلقة بتحقيق العدل وحفظ الأمن والنظام، وغير ذلك من النشاطات التي تدخل في إطار مهام الحكومات الحديثة.
وتشير المصادر التاريخية إلى أنّ حكام دولة قطر كانوا يعتمدون في إدارة شؤون الأمن الداخلية على حرس من رجال قبيلتي بني هاجر وبني مرة وهما من القبائل التي كانت تعيش وترتكز على الرعي في بادية دولة قطر وعلى حدودها، وكان الحكام يستخدمونها في عملية حراستهم وحمايتهم، بالإضافة إلى اعتبارهم قوة حربية مناسبة للبلاد، وكان ذلك قبل وضع قواعد بناء الدولة القطرية الحديثة.