سيطرة الفاطميين على الشام وفلسطين والحجاز:
في عام 359/ 969 ميلادي استطاع الفاطميون من مد نفوذهم على الأراضي في كل من الشاموفلسطينوالحجاز، وبعد هدوء الأوضاع في مصر وجّه الحاكم الفاطمي أنظاره إلى السيطرة على الخلافة العباسية، والتي كانت قائمة بشكل غير فعلي، وكان السلاجقة الأتراك هم الحكام الحقيقيون فيها، فأرسل قائده جعفر بن صلاح إلى الشام وفلسطين، وتمكن في ذلك الوقت من ضمهما إليه بعد عدة معارك متفرقة مع الأخشیدین.
وفي تلك الفترة قام بمساعدته على ذلك مجموعة من القرامطة، التي كانت تمد نفوذ سيطرتها على منطقة شرق الجزيرة العربية، بحيث كونت بعض الروابط مع الفاطميين؛ وذلك بسبب التقارب الفكري والعقيدي بين كلا الفريقين، فكان تكون كل من الفريقين يعود إلى الإسماعيليين، وهم كما تم ذكره بناءً على المصادر التاريخية بأنهم من غلاة الشيعة، وكانت فرقة القرامطة أكثر الفرق بعداً عن الإسلام وأكثرها فساداً في الأرض.
إنّ ذلك التقارب الذي وقع بين القرامطة والفاطميين دفعهم للقيام بمجموعة من الهجمات ضد بلاد الشام والعراق، إلى أن تمكن في ذلك الوقت جوهر الصقلي من فتح دمشق، وامتد نفوذ الدولة الفاطمية ليضم بلاد الشام إلى جانب مصر والمغرب العربي، وأصبح الخطباء في المساجد يخطبون لعز الدين الفاطمي، ولم يكتفي الفاطميون بذلك بل وصلت المعارضة الفاطمية إلى مكةوالمدينة المنورة، ودخلت بلاد الحجاز في حكم الفاطميين في أثناء تلك الأحداث.
فقد كان الصليحيون يسيطرون على اليمن فأعلنوا الوفاء للعالمين، وسارت الخطبة في اليمن للفاطميين، فتوسعت الدولة الفاطمية وكادت تضم الأمة الإسلامية في ذلك الوقت، وأصبح المنهج الإسماعيلي هو المنهج السائد هناك، ولكن لم تستمر العلاقة بين الفاطميون والقرامطة على هذا الحال، فقد وقعت بينهم خلافات نتيجة عدة أسباب، بحيث بدأت شرارة الحرب بينهما، وقام القرامطة بتوجيه حملات متعددة على الفاطميون، أشهرها هجومهم على مكة المكرمة، حيث قاموا بدخول مكة بالقوة ووصلوا إلى الكعبة وأخذوا الحجر الأسود من الكعبة، بحيث بقي الحجر الأسود في الأحساء مدة 22 سنة، حتى رجع الحكم الفاطمي من جديد، واستعاد الحجر الأسود من القرامطة.
فقد كانوا القرامطة يدعون الناس إلى الحج إلى منطقة الأحساء، فقد قاموا بكسر بعضه قبل عملية استرجاعه من قبل الفاطميون، فأخذه المسلمون وبقي على حاله المعروف، وفي ذلك دليل على فساد القرامطة في الأرض، وقد كانوا من أكثر الفرق خطراً على الإسلام وأهله، حتى أنّ بعض المؤرخين مثل ابن كثير لا يخفي فرحته بانتصار الفاطميين على القرامطة، مع أنّ الفاطميون كانوا عبارة عن فرقة تنحدر منها بعض الفتن والانحراف، إلا أنّها كما يقال من البعض: كانت أهون من غيرها من الفرق.
الحاكم بأمر الله الفاطمي:
لقد تولى الحكم في الدولة الفاطمية في عام 386/ 996 ميلادي الحاكم بأمر الله، حيث كان المؤرخون يطلقون على هذا الحاكم اسم الرجل المجنون؛ وذلك بسبب القوانين الكثيرة التي قام بفرضها على البشر، فأصدر أوامره الغريبة التي تقتضي على جعل الناس ينامون بالنهار ويعملون بالليل.
وفي زمن هذا الحاكم حدث زلزال في الأقصى الشريف، وخلف نتيجته سقوط بعض من أجزاء قبة الصخرة، وبعد مدة 6 سنوات قام بترميمها وتزينها ابنه ظاهر، ولكن الحاكم بأمر الله هدم كنيسة القيامة، مما أدى بذلك إلى نشوب أول سبب للكراهية بين المسلمين والمسيحيين، بعد التسامح الإسلامي الطويل الذي كان بينهم، وزعزع ذلك الحدث الكبير التجاري في الغرب، حيث شعروا أنّ مقدساتهم قد انتهت، وهذه المسألة كانت إحدى أبرز مقومات الحروب الصليبية.
توفي الحاكم بأمر الله وضعف حكم الفاطميين من بعده بشكل كبير، فأصبح الفاطميون يعتمدون على وزرائهم في تسيير أمور الناس بشكل عام، وبعد فترة من الزمن تولى هؤلاء الوزراء إدارة الأمور والحكم في البلاد، بحيث قل أمر الخليفة بشكل تدريجي، أما فيما يتعلق بالحكم الحقيقي فقد كان بيد الوزراء، وانطبق هذا الأمر نفسه على الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، والذي حكم من بداية عام 427/ 1039 میلادي ولمدة 60 سنة.
إنّ حكم المستنصر لم يكن له فيها دور فعلي في الحكم، وكانت العقيدة الفاطمية تنص على أن يكون الحاكم أو الخليفة مقدساً، وأن يكون الحكم متوارث بين ذريته من أبنائه، ولذلك لم يكونوا يجرؤون على تغيير الخليفة أو تدبير انقلاب ضده، حتى ولو لم يمارس سلطة الحكم.