الشريعة الاسلامية في عهد الملك عبد العزيز آل سعود

اقرأ في هذا المقال


الشريعة الإسلامية في عهد الملك عبد العزيز:

منذ أن أسس الملك عبد العزيز المملكة العربية السعودية، وهي تتمتع بخط واضح في نظامها وفي تشريعها، وفي مسيرة حياتها، فهي دولة إِسلامية متمسكة في العقيدة الإسلامية والشريعة في كل نواحي حياتها وعملها، فهي عربية الموطن والقوم واللسان، وأرض المملكة هي أرض الإِسلام الأولى، فـفي مكة المكرمة والمدينة المنورة حرسهما االله يقوم الحرمان الشريفان، الحرم المكي والحرم المدني.

والشعب السعودي كله وعن بكرة أبيه شعب مسلم عربي، ولا يخفى الارتباط القائم بين الإِسلام والعروبة، إِذ شرف ربنا تعالى العرب بأن يكون كتابه بلغتهم، وأن يكون خاتم أنبيائه ورسله منهم، وأن يكون ذكرهم في كـتاب الله حافزاً لهم على الارتفاع بأنفسهم، حتى يكونوا نواة أمة الإِسلام، وهي بنص القرآن الكريم خير أمة أخرجت للناس.

لقد عمل الملك على الالتزام في عقيدة الإِسلام و أحكامه الشريعة في حياة المملكة. وفي كل مملكة تتأسس يختار شعبها دستور حياتهم بها، وهذا الحال في كل الدول والبلاد في العصر الحديث، والذي ما زال إلى يومنا، ولكن الملك عبد العزيز على الرغم من إِدراكه لمتغيرات العصر التي وصلت البلاد الإسلامية كلها تقريباً، والتي حولت اتجاهها إلى المعاصرة والتحديث في دساتيرها وما تنص عليه، كان يؤمن بأن بلاده لها دستور قائم ودائم وخالد، هو كتاب االله، وسنة رسوله وأن هذا الدستور وحده هو الذي يضمن بقاءها، ونموها، وتقدمها.

وكان إيمانه بذلك إِيمان الحاكم القوي والمؤمن القوي، ولقد كان لذلك أثره الكبير في شعب المملكة، فقد حفظه االله من الحيرة بين اختيارات عديدة في حياته السياسية والاجتماعية، وأسهم ذلك في توحيد فكر الشعب وتوجهاته، بحيث ظل على توجهه الإِسلامي الوحيد، آخذاً بشريعة الإِسلام، وقيمه الخلقية والاجتماعية، وكان لإِيمان الملك، وتصميمه على أن يكون كتاب االله، وسنة نبيه دستور المملكة الدائم، أعظم الأثر في استقرار المملكة سياسياً واجتماعياً؛ إِذ لم تخدع المملكة بحركة التغريب التي انتشرت في البلاد الإِسلامية في القرن الرابع عشر الهجري،

بسبب المجهود الذي بذله الملك عبد العزيز حفظ الله شعب المملكة من الدخول في الأمور التى ظهرت في القرن 14 هجري المتعلقة في التجارب السياسية والاجتماعية على المستوى العالمي، وتأثرت  كثيراً من البلاد الإسلامية التي جعلت الدول الغربية مصدر ثقافتها، وقدوةٌ لها في التطور والنمو، ونجحت المملكة بفضل االله، ثم بإرادة الملك على أن تكون العرب قدوةً لدولة حضاريةً لدولة إِسلامية تحفظ مبادئها وشريعتها، وقيمها الاجتماعية المأخوذه من الإِسلام، ومن تراث الذي أقره الإِسلام.  لقد وضع الملك عبد العزيز الأساس القوي والمتين للدولة في نظامها وتشريعها ومبادئها، وقيمها الاجتماعية والحضارية.

لقد قام الملك عبد العزيز في العمل على وضع الأساس القوي للدولة الذي يتمثل في نظمها وتشريعاتها والقواعد والقيم التي تقوم عليها لقد كان ذلك سهلاً لدى سكان المملكة، غير أننا نجد من المناسب أن نورد ما يدل على إِدراك الملك عبد العزيز لهذه الحقائق، وإصراره على أن يقوم في توجه بلاده إلى الطريق الصحيح، وأن يبقى انتماؤها الإِسلامي، هو الأساس على مدى القرون. وأساسها الحقيقي الظاهر اجتماعياً وثقافياً.

يقول الملك في إِحدى خطاباته في المدينة النبوية: “وإِن طريقي الذي سرت عليه، ولا زلت أسير عليه، هو إِقامة الشريعة السمحة، كـما أنني أرى من واجبي ترقية جزيرة العرب، والأخذ بالأسباب التي تجعلها في مصاف البلاد الناهضة، مع الاعتصام بحبل الدين الإِسلامي الحنيف.

وفي خطاب له في مكة المكرمة:” أنا بذمتكم، وأنتم بذمتي، إِن الدين النصيحة، أنا منكم وأنتم مني، هذه عقيدتنـا في الكتب التي بين أيديكم، فإن كان فيها ما يخالف كتاب االله فردونا عنه، واسألونا عما يشكل عليكم فهمه، والحكم بيننا كتاب االله وما جاء في كتب الحديث والسنة “. وقد أوضح الملك عبد العزيز في أول خطاب رسمي وجهه إِلى أهل الحجاز: “أن القرآن الكريم والسنة النبوية، وما أصدره العلماء  في الإِسلام  في طريق القياس، أو الإِجماع سوف يكون من مصادر التشريع “.

لقد سعى الملك إِلى توحيد مصادر الأحكام بتوحيد المذهب، وذلك في العديد من الأعمال، حيث قام في عقد اجتماع للعلماء من نجد ومكة المكرمة، تم فيه على توقيف الأعمال التي تخالف الشرع. وكان الملك يدرك ما هو مسلم من أن مذاهب المسلمين المعتبرة ترجع جميعاً إِلى الكتاب والسنة، وظل العمل في المحاكم فترة معينة على عدم التقيد بمذهب واحد، بل تقضي المحاكم بحسب ما يظهر لها من أي المذاهب كـان، ولا فـرق بين مذهب وآخـر.

ثم صـدر أمـر ملكي في ٢٤/ ٣/ ١٣٤٧ هجري الموافق  ١٩٢٨ ميلادي على أن مجرى القضاء في جميع المحاك منطبق على المفتى به من مذهب الإمام أحمد بن حنبل، نظراً لسهولة مراجعة كتبه، والتزام المؤلفين من بعده بذكر الأدلة. أما إذا وجد مشقة في تطبيق الحكم على المذهب الحنبلي، أو كان في مخالفته مصلحة عامة، نظر في المذاهب الأخرى.

وقد اعتمد الملك عبد العزيز  أن الشريعة الإِسلامية هي أساساً لحكمه، وسبيلاً إِلى إصلاح الطرق لحكم البلاد، فجنبها من التعثر في الأنظمة الحديثة  التي تعثر فيها غيره من القادة أو الزعماء الذين حاولوا تقليد الغرب في نظمه السياسية والاجتماعية، فبذلك ابتعدوا عن الإِسلام، وفشلت تجاربهم كلها على مستوى العالم العربي والإِسلامي. وإِذا كانت الإِمامة رئاسة تامة، وزعامة عامة، تتعلق بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا، كما ذكر الجويني في كتابه ” غياث الأم ” فإِن الملك عبد العزيز طبق ذلك في سيرة حياته كلها.

فقد بويع بالإِمارة منذ استعادته الرياض سنة ١٣١٩ هـجري  الموافق ١٩٠٢ ميلادي، وتم مبايعته بالإِمامة سلطاناً على نجد، ثم تمت له البيعة ملكاً على الحجاز، وذلك في اجتماع كبير يوم الجمعة ٢٣ جمادى الآخرة سنة ١٣٤٤ هجري الموافق  ١٩٢٦ ميلادي، وتليت بيعة الملك على الناس بعد صلاة الجمعة قرب باب الصفا، وقبلها الملك.

وبعد ذلك بعام، أي في سنة ١٣٤٥ هجري الموافق ١٩٢٧ميلادي، اجتمع عدد كبير من العلماء وأعيان البلاد وزعماء القبائل، ورجوا من سلطان نجد وملك الحجاز، أن يكون لقبه: ملك الحجاز ونجد وملحقاتها، فقبل ذلك، وتقرر فيما بعد دمج الكلمتين في الاسم حيث أصبح: ” المملكة العربية السعودية ” وصدر بذلك كما سبق أمر ملكي في ١٧ جمادى الأولى سنة ١٣٥١ هجري  الموافق ١٣٥١ هجري الذي يوافقه الأول من ٢٣ سبتمبر يوماً لإِعلان توحيد المملكة.

منذ أن قام الملك عبد العزيز في الدخول  إلى الرياض، كان يتم مبايعته في الإمارة للبلاد، وكان إِلى جانب ذلك يحظى دائماً لما يتمتع به من ميزات العامة للناس. وهكذا أسس عبد العزيز آل سعود إِمارته، وإِمامته، وسلطانه، وملكه على قواعد الشريعة وأحكامها، دون أن يقلد أي نظام من النظم التي تواجدت في البلاد العربية والإِسلامية التي سيطر عليها الاستعمار الغربي، الغزو السياسي، الثقافي، والاجتماعي.

وما زالت المملكة منذ أن أقامها الملك عبد العزيز آل سعود إِلى الآن تجعل الكتاب والسنة دستورها، والشريعة الإِسلامية قانونها الأساسي، وقد استقر ذلك في نفوس حكامها وشعبها، فاستقرت سياستها العامة في جميع شؤونها، وتمتع مجتمع المملكة بالاستقرار الاجتماعي والثقافي منذ عشرات السنين، وهو ما يميز المملكة عن غيرها من البلاد الإسلامية حتى الآن.

 التوحيد والشريعة الإسلامية في المملكة:

إن الدولة السعودية هي قَلب العالم الإسلامي فكلمة التوحيد هي الأساس التي قامت عليها هذه البلاد، واتخذتها شعاراً لها ومنهجاً لحياتها ،وأساساً لنظام الحكم بها وهو ما أكده الموحد لهذا الكيان المبارك والمؤسس له الملك عبد العزيز بن عبدا لرحمن الفيصل آل سعود طيب الله ثراه حينما دخل مدينة الرياض في الخامس من شهر شوال من عام 1319 هجري.وذلك استمراراً وتواصلاً لنهج وسيرة آبائه وأجداده من قبله من حكــام آل سعود الميامين. والموجود على القرآن الكريم وسنة رسوله وهداية السلف الأمة الصالح من الصحابة.

وفي هذا المعنى ذكر  الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود المؤسس رحمه الله الذي أقام دولته على هذا النهج القويم امتداداً لما سبقه:(إنني رجل سلفي وأفخر بأنني سلفي وأعمل جهد طاقتي في سبيل إعلاء كلمة الدين وإجلاء منهج السلف الصالح في نفوس المسلمين والعرب) وقال:( إنني رجل سلفي وعقيدتي هي السلفية التي أمشي بمقتضاها على الكتاب والسنة )، واختيار هذا المنهج من الملك عبد العزيز طيب الله ثراه جاء  مصداقاً لقوله تعالى: ( وعد الله الذي أمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم يعبدونني لا يشركون بي شيئاً.


شارك المقالة: