مجلس الشّورى:
لقد حثّ الإسلام منذ ظهوره على تأسيس دولة إسلامية تقوم على أساس مبدأ الشورى، وذلك تحقيق لمبدأ العدل والتعاون، لذلك قام الملك عبد العزيز بتأسيس دولته على أساس الشورى والعدل، وطبق نظام الحكم فيها على هذا المبدأ، فقد أدرك جلالته أهمية الشورى في كيان الدولة فهي تعمل على تنظيم شؤون الدولة من الداخل والخارج، وفي عام 1924 ميلادي دخل الملك عبد العزيز مكة المكرمة وفي أثناء ذلك الوقت أعلن للحجازيين بأنّ سياسته في الحكم قائمة على مبدأ الشورى.
وفي ذلك دليل على قوله : ” ترون بعض الحكومات تجعل لها مجالس للاستشارة، ولكن كثيراً من تلك المجالس وهمية، أكثر منها حقيقية. تشكل ليقال أنّ هناك مجالس وهيئات ويكون العمل في يد شخص واحد، وينسب العمل إلى العموم. أما أنا فلا أريد أوهاماً وإنما أريد حقائق، أريد رجالاً يعملون، فإذا اجتمع أولئك المنتخبون وأشكل على أمر من الأمور، رجعت إليهم في حله وأخذت بمشورتهم، وتكون ذمتي سالمة من المسؤوليات، وأريد منهم أن يعملوا بما يجدون فيه المصلحة، وليس لأحد من الذين هم أطرافي سلطة عليهم ولا على غيرهم.
وقد قام الملك عبد العزيز بتولية الأمير فيصل إدارة الأمور بمكة المكرمة وجعله نائباً عنه في الحجاز، يعمل على معاونته ومساعدته بذلك المجلس الاستشاري، والمجلس الأهلي الذي يتكون من أهل الحل والعقد في الحجاز، ولكن فيما بعد تم دمج المجالس مع بعضها البعض لتكون ما يعرف باسم مجلس الشورى عام 1345/ 1926 ميلادي برئاسة النائب العام في الحجاز.
وفي عام 1345/ 1926 ميلادي صدرت التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية، جاء بموجبها إنّ الدولة السعودية قائمة على مبدأ الشورى، وكان مما تضمنته التعليمات الأساسية تكوين مجلس شوری المقر الأساسي له مكة المكرمة، ويتكون من النائب العام ومستشاريه و 6 أعضاء، حيث يتم عقد هذا المجلس مرة كل أسبوع تحت رئاسة النائب العام أو أحد مستشاريه، ليقوموا بالنظر في الأمور التي تحال إليه من قبل النيابة العامة، حيث يتم اتخاذ قراراته بالاعتماد على رأي الأغلبية، ولا يتم تطبيق تلك القرارات إلا بعد الموافقة الملكية عليها.
هيئة التفتيش والإصلاح الإداري:
وفي عام 1345/ 1926 ميلادي تشكلت هيئة التفتيش والإصلاح الإداري، لتعمل على رفع مستوى الجهاز الإداري في الدولة، وقد أرسلت هذه اللجنة خطاباً إلى النائب العام الأمير فيصل في عام 1927 ميلادي ليصدر أمره إلى الدوائر الرسمية بالشكل العام، ولإبداء اقتراحاتهم الخاصة بالإصلاح الواجب إدخاله على شعبها للاستفادة من خبرة هؤلاء فيما يتعلق بدوائرهم.
وبموجب الدراسات التي قامت بها هذه اللجنة تم تجهيز مجموعة من التوصيات والاقتراحات ليتم رفعها إلى الملك عبد العزيز، وكان من ضمن تلك التوصيات مشروع نظام مجلس الشورى، وقد وافق عليه الملك، وكان المجلس لم يستمر إلا بنحو عشرة أشهر، حيث صدر بلاغ من النيابة العامة يقضي بحل المجلس عام 1345 /1926 ميلادي، وبعد يومين صدر بيان ملكي جاء بموجبه تعديل القسم الخاص بمجلس الشورى من التعليمات الأساسية بناء على اقتراح لجنة التفتيش.
حيث تكون المجلس الجديد من 8 أعضاء يتم انتخابهم بناء على الأسس التالية: رئيس المجلس وهو النائب العام، وله حق بأنّ يحضر معه أحد مستشاريه للجلسات بشرط عدم مشاركته بالأراء المطروحة، وفي حالة غياب الرئيس يترأس المجلس إما معاونه أو أحد مستشاريه، أما فيما يتعلق بأعضاء المجلس فهم 4 أعضاء تنتخبهم الحكومة بعد استشارة أهل الخبرة والرأي، وكذلك 4 أعضاء تختارهم الحكومة بمعرفتها، بحيث يكون من ضمنهم اثنان من أهل نجد، والمدة الزمنية لكل مجلس سنتين، بحيث يتم استبدال نصف الأعضاء في كل سنة، ولكن يمكن إعادة انتخاب أو تعيين الأعضاء نفسهم.
فقد ينقسم المجلس إلى لجنتين، وفي كل أسبوع ينعقد مرتين أو بناء على الحاجة لذلك، ويتم ذلك بحضور 4 أعضاء والرئيس، حيث تصدر القرارات من خلاله بموافقة ثلثي مجموع أصوات المجلس، ويقوم بحضور الجلسات مديرو الدوائر الحكومية وذلك بدعوة من النيابة العامة، لبحث الأمور المتعلقة بدوائرهم، وقد أعطى هذا النظام المجلس صلاحيات واسعة ومن أهم مهامه البحث عن احتياجات دوائر الحكومة، والترخيص للمشاريع العمرانية والاقتصادية ومنح الامتيازات، ونزع الملكية للمنفعة العامة وغيرها من المهام.
النظام التنفيذي الجديد لمجلس الشورى:
وفي عام 1347/ 1928 ميلادي صدر بيان يتضمن نظام جديد للمجلس، حيث أُدخلت عليه العديد من التعديلات، ولكنها لم تتعرض لاختصاصاته وصلاحياته، فأصبح المجلس يتكون من الأعضاء الذين تقوم الإدارة السنية بتعيينهم، وأصبح لرئيس المجلس نائب عنه من قبل الملك، ونائب أخر ينتخبه المجلس ليقوم مقام النائب الأول في حال غيابه، كي لا تتأثر أعمال المجلس بحضور الرئيس أو نائبه، مما أعطى البساطة والسهولة في تسيير العمل، وفيما بعد تم تعديل مواعيد الانعقاد فأصبح المجلس ينعقد كل يوم بدل من مرتين بالأسبوع.
وقد تم التعديل على نصاب المجلس، بحيث يصبح ينعقد بحضور ثلثي الأعضاء والرئيس عوضاً من أربعة أعضاء والرئيس، وإنّ ذلك التعديل يضمن لأكبر عدد من الأعضاء دراسة الموضوعات التي تعرض على اللجنة، كما أصبحت قرارات المجلس تُصدر بناء على موافقة أغلبية الأعضاء الحاضرين.
وفي عام 1349/1930 ميلادي تشكل مجلس شورى، لم يتم التغيير في نظامه الأساسي، ولكنه أُجري عليه بعض التعديل وخاصة في المادة السادسة، فأصبح المجلس ينقسم إلى ثلاث لجان تتولى كل لجنة منهم دراسة المعاملات التي تحال إليها من مقام الرئاسة، ثم تقوم بعرض ما تم الاتفاق عليه بالشكل النهائي في جلسة من جلسات المجلس.
فقد تم إضافة مهمة أخرى للمجلس عام 1351/ 1932 ميلادي، كانت تتلخص بالعناية بشؤون الحج والحجاج، وبهذا يتضح بأنّ مسؤولية مجلس الشورى لم تكن مسؤولية محددة ومعينة، بل كانت مسؤولية متعددة وشاملة في عملية تنظيم الحجاز وتطويره من جميع النواحي.
فقد قام الملك عبد العزيز بمنح المجلس العديد من الصلاحيات منها: على المجلس أن يلفت نظر الحكومة إلى أي خطأ يقع في تطبيق القوانين والأنظمة المعروضة، وإذا قامت الحكومة بعرض مشروع على المجلس وقام برفضه أو قام بالتعديل فيه بشكل لا تتوافق الحكومة عليه، فمن حق النائب العام أن يعيد المشروع إلى المجلس مع ذكر سبب إعادته، لإقناعه بصواب رأي الحكومة، فإذا رفض ذلك المجلس، يكون القرار الأخير للملك، ويستطيع المجلس أن يراجع الملك بواسطة رئيسه، ليقوم بالتصديق على مشروع قرار المجلس.
وقد أشار الأمير فيصل إلى أهمية ومكانة مجلس الشورى، عندما افتتح المجلس في عام 1348 هجري، حيث قال: ” إنّ هذا المجلس هو صاحب الصوت الأعلى والأكبر، ومهمته خطيرة ومسؤولياته كبيرة، فقد أصبحت الأعمال المهمة وكل المعاملات الحكومية تعرض عليه وتنظر لديه”.