سياسة المماليك المتبعة في التجارة
إن سلطنة المماليك منذ بداية حُكمها الذي فرضته اعتمدت فيه على مبدأ التغطية الكاملة للنشاط التجاري القائم بين مناطق الشرق ومناطق الغرب، وأيضاً احتكار تلك الأنشطة لصالحها الخاص، مما أدى بها إلى إقامة علاقات وديّة مع جميع حُكّام البلاد الذين تعاملوا معها، وذلك من أجل تحايد فرض أي قوة أو تدخُّل خارجي يحاول سلبهم نفوذهم والنشاط التجاري الواسع الذي يعد أساس البناء الاقتصادي لدولتهم.
التجارة في عهد المماليك
لابد من الإشارة إلى أنّ الزحف المغولي خلال فترة القرن السابع الهجري إلى القرن الثالث عشر الميلادي أدى إلى زعزعت الأمن وظهور حالة من التوتر على الطرق التجارية، مما زاد من مخاوف التُجّار، نظراً لتهديد طريق التجارة البريّة عبر آسيا إلى البلاد الأوروبية، كما أدى ذلك إلى زيادة حركة طرق التجارة عبر البحر الأحمر ومصر، إلاّ أنه في نفس الوقت كان الطريق الوحيد الذي لم يكن تحت سيطرة المغول ونفوذهم، ومع استقرار دولة مغول فارس توصل الحكام فيها إلى ما يمكن تحصيله من أرباح عن طريق تنشيط التجارة عبر بلادهم.
لقد تنوعت جوانب تحفيز سلاطين الدولة المملوكية للتجارة وتنشيط التُجّار في موانئ البحر الأحمر من قِبل السلاطين، حيث بدأت سياستهم المعتمدة على بَث الأمن والتعاون مع التُجّار، وأيضاً الاهتمام بتحفيزهم منذ بداية عصر السلطان الظاهر بيبرس، في البداية جاء التُجّار من اليمن مرتين خلال موسم واحد، وكانوا قد جاؤوا إلى اليمن واستهموا على الإقامة فيه، كما ساعد أيضاً العدل في حُكم بيبرس وهيبته في بث الأمن والهدوء، وبالتالي لم يتعرض لهم ولا أحد ولم يتم توجيه الأذى أو الضرر بهم.
وما تم ذكره عن السلطان بيبرس يتماشى بشكل تام مع إنجازات وأعمال السلطان المنصور قلاوون، فقد اهتم بمعاملة التجار بالعدل والإحسان، كما أمر بتوفير جوازات سفر للتّجار القادمون من الدول الأخرى وقام أيضاً بتوكيل بعض التجار المصريين بتوزيع تلك الجوازات في اليمن والهند، وذلك بهدف ترغيب التّجار في القدوم إلى دولة مصر والشام، حيث كانت تلك الجوازات بهدف تسهيل وتيسير سفر هؤلاء التجار وتأمينهم رحلاتهم.