التداعيات لعلم الأنثروبولوجيا

اقرأ في هذا المقال


التداعيات لعلم الأنثروبولوجيا:

يرى علماء الأنثروبولوجيا أن الثقافة تعتبر ظاهرة ديناميكية، كذلك تعتبر الأنثروبولوجيا مجالًا لدراسة مكرسة للثقافة، وعلى الرغم من أن العديد من طلاب الأنثروبولوجيا قد يكون لديهم رؤى رومانسية للأثنوغرافيا الوحيدة التي يغمرها حياة المجتمع في قرية ريفية في أرض نائية، إلا أن هذا ليس واقع معظم علماء الأنثروبولوجيا اليوم، إذ يمكن أيجاد عدد من علماء الأنثروبولوجيا أنفسهم يعملون في بيئات تطبيقية، ولكن حتى العديد من علماء الأنثروبولوجيا الأكاديميين الأكثر تحديدًا والموظفون في الكليات والجامعات بدأوا العمل في أماكن قد تكون مألوفة لدى الشخص العادي.

والآن بعد أن فهم علماء الأنثروبولوجيا أهمية التدفقات العالمية للأموال والأفكار فهموا أهمية التداعيات لعلم الأنثروبولوجيا لإجراء البحوث الأنثروبولوجية في كل مكان تحدث فيه هذه المشكلات سواء في المنزل أو في أي مكان قد تكون وبقدر ما هو في الخارج واضح.

ظهور الأنثروبولوجيا الحضرية:

يرى علماء الأنثروبولوجيا أن العولمة أصبحت كلمة طنانة قوية في المجتمع المعاصر وستكون صعبة للعثور على أي شخص لم يتأثر بها على الأقل بطريقة صغيرة، والتأثير الواسع للعولمة في الحياة اليومية حول العالم سواء بشكل مباشر على سبيل المثال من خلال الشركات متعددة الجنسيات أو بشكل غير مباشر مثل تغير المناخ يثير عددًا من الأسئلة التي يطرحها علماء الأنثروبولوجيا التي بدأت تسأل، على سبيل المثال قد يقوم عالم الأنثروبولوجيا بالتحقيق في تأثيرات السياسات العالمية على الناس في مناطق مختلفة من العالم.

فلماذا تؤدي السياسات النقدية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي عادة إلى زيادة ثراء البلدان الغنية وزيادة البلدان الفقيرة لتصبح أفقر؟ ففي كتاب عالم الأنثروبولوجيا ورما إغليسياس برييتو “Beautiful Flowers of the Maquiladora” عام 1997، يعطي نورما إغليسياس برييتو صورة عن قرب لحياة النساء المكسيكيات العاملات في المصانع في منطقة تيخوانا، فعلى الرغم من أن ظروف العمل في هذه المصانع خطرة والنساء يتعرضن للتدقيق من قبل المشرفين الذكور، فإن العديد من النساء اللواتي ورد وصفهن في الكتاب يقدرن على الكماليات القليلة التي يوفرها عملهن.

وآخرون يقدرون الفرصة لدعمهم الأسرة أو الحصول على درجة صغيرة من الاستقلال المالي عن الشخصيات الذكورية في حياتهم، لذلك هناك صعوبة لتقديم أي إجابة مسطحة بشكل مصطنع بشأن ما إذا كانت العولمة جيدة أو سيئة لمثل هاؤلاء الأفراد، ويركز علماء الأنثروبولوجيا على التجربة الحية للأشخاص الأكثر تضررًا من هذه القوات العالمية، فما هو شكل العيش في مثل هذه البيئات؟ وكيف تتغير بمرور الوقت؟ وما هي التكاليف والفوائد؟ خاصة وسط التدفقات المتداخلة للأشخاص والأفكار.

فقد أصبحت الأسئلة المتعلقة بالتنقل عبر الوطنية والهوية جميعها ذات أهمية متزايدة في مجال الأنثروبولوجيا، برغم من وجود بعض الاستثناءات، فالاتجاه العام هو أن تؤدي العولمة إلى تحضر، وتأتي الليبرالية الجديدة مع فقدان البرامج والوظائف التي تمولها الدولة، وعدم استدامة المزارع الصغيرة، والحاجة إلى البدائل الاقتصادية الأكثر شيوعًا في المناطق الحضرية، لذلك درس علماء الأنثروبولوجيا المدن والحياة الحضرية لفترة طويلة، فإن تركز السكان في المراكز الحضرية أولى أهمية متزايدة لأنثروبولوجيا المدينة في الآونة الأخيرة.

وفي الواقع بدأ استخدام مصطلح الأنثروبولوجيا الحضرية لوصف تجارب العيش في المدن وعلاقات حياة المدينة بالسياقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الأوسع بما في ذلك قضايا العولمة والفقر والنيوليبرالية، كما أن التركيز المتزايد على المدينة في السياق العالمي كان لذلك زيادة في الوعي والاهتمام بقضايا عبر الوطنية لفهم حياة الناس التي تعيش أو تتأثر بشكل كبير بالأحداث التي تعبر الحدود الجيوسياسية للأمة والدول.

التغييرات في الأنثروبولوجيا الحضرية:

لقد غيرت الأنثروبولوجيا الحضرية ليس فقط ما يبحث عنه علماء الأنثروبولوجيا ولكن أيضًا طريقة تعاملهم مع بعض المواضيع، ففي مقدمة الروابط بين العمليات العالمية والإعدادات المحلية، الأنثروبولوجيا الحضرية متعددة المواقع تفحص موضوعات وقضايا محددة عبر مواقع ميدانية جغرافية مختلفة، كما أن الأنثروبولوجيا الحضرية متعددة المواقع يمكن إجراؤها عندما يشمل موضوع الدراسة أو يؤثر على مواقع متعددة ويمكن فهمها بشكل أفضل من خلال المحاسبة عن تلك السياقات الجغرافية المتعددة.

على سبيل المثال في دراسة اليوجا وموازنة الأعمال عبر الثقافات، وجدت عالمة الأنثروبولوجيا سارة شتراوس عام 2005 أن دراستها ستكون غير مكتملة إذا ركزت فقط على الهنود الذين يدرسون اليوجا، ولفهم هذه الظاهرة العابرة للحدود، أدركت أهمية التركيز أيضًا على ممارسي اليوغا غير الهنود الذين ذهبوا لدراسة اليوجا في وطنهم، ومثل عمل عالم الأنثروبولوجيا السويدي أولف هانرز، الذي يدرس مراسلو وسائل الإعلام الإخبارية الذين يسلطون الضوء على الطرق التي يمكن أن يتحرك بها الأشخاص، مما يخلق مجتمعًا للدراسة متعدد المواقع.

وقد توسع العمل الإضافي في هذه النماذج، لتسليط الضوء على مختلف المجالات غير المحلية كالمواقع التي لا يمكن تحديدها جغرافياً، ومثل هذه النماذج تتضمن دعوات لأنثروبولوجيا قائمة على النشاط حيث يكون النشاط نفسه هو موقع الثقافة أو أساس المجتمع، وظهور ما يسمى الأنثروبولوجيا الرقمية حيث يوجد الموقع الميداني على الإنترنت.

مصطلح العولمة من منظور الأنثروبولوجيا:

مصطلح العولمة من منظور الأنثروبولوجيا ليس مجرد اختصار لفظي للحديث عن الاتصال والنقل على النطاق العالمي، فقد أظهرت الدراسات الأنثروبولوجية أن الاتصال كان موجودًا عبر مواقع متباينة وعبر الكثير من تاريخ البشرية، ومع ذلك فإن العولمة كما يتم استخدامها ومفهومة اليوم هي أكثر بكثير من النطاق الإجمالي للاتصال، وتشير إلى سرعة وحجم هذا الاتصال، وبهذه الطريقة تعتبر العولمة ظاهرة حديثة، وليس فقط عدد الأماكن المتصلة، ولكن من حيث عدد الطرق وبأي تردد.

حيث كان على الناس الاعتماد على الخيول أو السفن الشراعية لإحضارهم إلى مواقع جديدة، فإن كتلة النقل وخاصة السفر الجوي، يجعل مثل هذه التنقلات جزءًا من الحياة اليومية للعديد من الأشخاص، فقد ينتهي الأمر بشخص لم يشاهد التلفاز في الأسبوع بزيارة جاكرتا أو اليونان أو تورنتو في اليوم التالي، ويمكن الآن نقل الأخبار التي ربما كانت قد سارت للأمام عبر الحمام الزاجل، في لحظة افتراضية، ويمكن الآن الوصول إلى المعلومات التي كانت محصورة في المكتبات المادية على الهواتف الذكية المحمولة مع شعوب جميع أنحاء العالم.

فليست العولمة جيدة ولا سيئة، فهي حقيقة من حقائق الحياة اليوم، سواء كانت سيدة أعمال تطير بين المحاور الدولية على أساس أسبوعي أو رجل يعتني بحديقته على جهاز التحكم عن بعد هضبة، وقد تتأثر حياتهما بنفس القدر بكيفية تلقي محصول معين في سوق العالم، فمن خلال توفير الفرص والقيود على حد سواء، أصبحت العولمة الآن بمثابة الخلفية إذا ليس المسرح لكيفية عيش الحياة على الأرض من قبل الناس جميعًا.


شارك المقالة: