التصور المنهجي عند ابن خلدون في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


التصور المنهجي عند ابن خلدون في علم الاجتماع:

يعتمد ابن خلدون على منهجية جديدة في دراسة التاريخ والظواهر المجتمعية، تقوم بالأساس على استخدام العقل في فحص المرويات والأخبار والمنقولات، وإخضاعها للتأمل الفلسفي والتجريب الواقعي، والتريث جيداً في قبول الروايات، واستخدام النقل كلما كان الموضوع مجبراً لذلك، ومن ثم فمنهجية ابن خلدون استقرائية تهدف إلى استخلاص القوانين التي تسيطر على أحداث التاريخ وازدهار المجتمعات، مثل قوانين العمران البشري (التكوين والمجد والتلاشي والنهاية).

ويقصد بذلك أن الدولة تخلق مثل الكائن البشري، وكلما وصلت الدولة مبلغ القوة والتقدم، فإن لم تحافظ على ذلك بقوة العصبية والنسب والانتماء والعقيدة، ومالت إلى حياة الترف والرفاهية والمجون والمقهور والتقاعس عن العمل والجهاد، إلا وكان مصير هذه الدولة التلاشي والنهاية، وهذه سنة الحياة تحدث على الفرد، كما تحدث على حياة الدول والممالك.

أضف إلى ذلك فقد طبق ابن خلدون مناهج علوم الطبيعية والفيزياء والحيوان والنبات على الظواهر المجتمعية، بهدف كشف القوانين والعوارض التي تخض لها وقائع التجمع الإنساني، علاوة على ذلك، فقد وظف ابن خلدون مجموعة من الآليات والمقاييس العلمية، مثل مقياس التفسير أو التعليل الذي يعمل على اتصال الظواهر المجتمعية بعللها وأسبابها، ومقياس التحقيق والجرح والتصحيح في نقل الأخبار وتمحيصها وتنقيتها وإجراء فحص لها، ومقياس الجبر التاريخي، ومقياس المطابقة، ومقياس التباين، ومقياس المقارنة والتوازن، ومقياس الملاحظة الحسية أو الواقعية أو التجريبية، ومقياس التقنين والتقعيد للظواهر الاجتماعية، ومقياس النظر العقلاني، ومقياس الإدراك والتجريب، ومقياس الاستقراء، ومقياس الشمولية.

وفي هذا المقصود، يقول علي عبد الواحد وافي، استند ابن خلدون في بحوثه على ملاحظة ظواهر الاجتماع في أفراد المجتمع التي توفر له الفرصة في المعايشة بين أهلها، وعلى تعقب هذه الظواهر في تاريخ هذه المواطنين ذاتها في العصور السالفة لعصره، وتعقب أشباهها ونظائرها في تاريخ مجتمع آخر لم يتوفر له التعايش بين أهلها، والتوازن بين هذه الظواهر كافةً، والنظر في متنوع شؤونها لرؤية طبائعها وعناصرها الذاتية وصفاتها العرضية، وما تؤديه من وظائف في حياة الأفراد والجماعات، والعلاقات التي تربطها بعضها ببعض والعلاقات التي تربطها بما عداها من الظواهر الكونية، وعوامل تطورها وتنوعها بتنوع الأمم والعصور، ثم الانتهاء من هذه الأمور جميعاً إلى استخلاص ما تخضع له هذه الظواهر في مختلف شؤونها من قوانين.


شارك المقالة: