التصور النظري والمنهجي عند هربرت سبنسر في علم الاجتماع:
يعرف هربرت سبنسر بفلسفة التطور، كما يدل على ذلك كتابه (التطور: قانون وأسبابه) الذي نشره سنة 1857م، وقد أكد أن النمو هو ارتحال متدرج من البسيط نحو المعقد والمختلط، ومن اللاتساق إلى الاتساق، وبالتالي تتجه ظاهرة النمو نحو التنوع والتنسيق المتدرج، وقد دافع سبنسر عن التطورية الدارونية، وتقدم شارل داروين، إلى مقصودي التطور والبقاء للقوي والأنفع.
وقد كوّن سبنسر علم الاجتماع التطوري أو الداروينية أو علم الاجتماع العضوي الوظيفي، وقد شبه المجتمع بالإنسان، كل جزء ويقوم بمهام معين في إطار النسق الكامل، وتأثر في ذلك بمبادئ الطبيعة، وقد استخدم منهج التفسير لمعرفة قوانين النمو لدى المجتمعات، فقد وجد أن المجتمعات البدائية كانت تتجلى بصفة الصفاء وعدم التعقيد والتركيب، في حين تتفوق المجتمعات الحضارية بسما التخصص والغموض والتصعيب والتشديد والاختلاف.
هذا وقد قدم هربرت سبنسر دراسات كثيرة في مجال علم الاجتماع، مثل الستاتيك الاجتماعي، وعلم الاجتماع الوصفي، ومبادئ علم الاجتماع، ومدخل إلى العلم الاجتماعي.
هذا، ولم يكن غاية المفكر الإنجليزي هربرت سبنسر في إصلاح المجتمع أو تحسين أحواله، بل كانت الأهمية معرفة هذا المجتمع على نحو أحسن، وتفسير تطور المجتمع وتحوله من حالة إلى أخرى، بالاستناد على المنهج البيولوجي التطوري الذي بلوره شارلز دار وينفي كتابه أصل الأنواع.
وعليه، فقد تضمن سبنسر منهجية داورين التطورية والعضوية في تفسير التحولات التي تحدث في المجتمع، وتفسير الكيفية التي تتحول بها المجتمعات، وتتطور عبر مرور الوقت، ومن ثم أنشأ علم الاجتماع الدارويني، وقد نفذّ منهجية التطور في كتابه مبادئ علم الاجتماع، قصد تفسير ارتحال المجتمع من بنيته البسيطة إلى بنيته المعقدة.
وفي هذا يقول سبنسر، لقد رأينا أن التطور الاجتماعي يبدأ ببعض الفئات القليلة بسيطة التركيب، وأنه يزداد بسبب اتحاد بعض هذه الفئات في فئات أخرى أكبر منها، وأن هذه الفئات الأخيرة تتحد فيما بينها بعد بلوغها مستوى كافي من التركيز، لكي تكون فئات أخرى أكبر منها، وحينئذ فمن الواجب أن نبدأ في تصنيفنا للمجتمعات بالنوع الأول منها، أي بأبسط المجتمعات تركيباً.