التطور التاريخي للجريمة المنظمة في الولايات المتحدة

اقرأ في هذا المقال


جوهريًا خلال الثمانين عامًا الماضية تطور مفهوم الجريمة المنظمة، من جانب متكامل من حياة المدينة الكبيرة إلى مجموعة متنوعة من اللاعبين الإجراميين العالميين الذين يتحدون حتى أقوى البلدان مثل الولايات المتحدة.

مفهوم الجريمة التابع للجنة شيكاغو للجريمة

ظهر مصطلح الجريمة المنظمة لأول مرة بشكل منتظم بين أعضاء لجنة شيكاغو للجريمة، وهي منظمة مدنية تم إنشاؤها في عام 1919 من قبل رجال الأعمال والمصرفيين والمحامين لتعزيز التغييرات في نظام العدالة الجنائية من أجل التعامل بشكل أفضل مع الجريمة مشكلة.

في إعلانات لجنة شيكاغو للجريمة لم تشر الجريمة المنظمة إلى المنظمات الإجرامية، ولكن بمعنى أوسع بكثير إلى الطريقة المنظمة التي يُزعم أنّ ما يسمى بالطبقة الإجرامية لما يقدر بـ 10.000 من المجرمين المحترفين في شيكاغو يمكن ملاحقتهم للجريمة كعمل تجاري، وتركزت المناقشة حول الظروف التي يبدو أنّها سمحت للمجرمين بالحصول على دخل ثابت من الجريمة وخاصة جرائم الممتلكات في ظل حصانة فعلية من القانون.

في نظر لجنة الجريمة كان لا بد من إلقاء اللوم على حكومة المدينة بسبب عدم الكفاءة والفساد، في حين تم انتقاد الجمهور بسبب اللامبالاة وحتى التعاطف الصريح تجاه المجرمين، وهذا التوصيف للجريمة المنظمة كجزء لا يتجزأ من المجتمع يعكس على ما يبدو منظور الطبقة الوسطى البروتستانتية القديمة في شيكاغو كمدينة، وبعد سنوات من النمو السريع والتغير الثقافي كانت تغرق في الجريمة والفساد والانحلال الأخلاقي.

تطور مفهوم الجريمة عبر الزمن

في عصر الكساد

لم يسود الفهم الأصلي للجريمة المنظمة لفترة طويلة، وابتداءً من منتصف العشرينيات من القرن الماضي، ولكن بشكل خاص خلال فترة الكساد تغير مفهوم الجريمة المنظمة بشكل كبير، وبادئ ذي بدء بدأ استخدام مصطلح الجريمة المنظمة خارج شيكاغو، ولكن لفترة وجيزة فقط عملت كمصطلح عام في نقاش السياسة الجنائية، وبحلول منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي تم استبداله بالكامل تقريبًا بمفهوم الابتزاز الضيق إلى حد ما.

في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من القرن الماضي لم تعد الجريمة المنظمة تشير إلى فئة إجرامية غير متبلورة، بل إلى رجال العصابات والمبتزين الذين تم تنظيمهم في عصابات ونقابات ومنظمات إجرامية، وتتبعوا كبار المجرمين الذين عملوا كقادة أقوياء للجريمة المنظمة، وانتقل بعض هؤلاء القادة إلى دائرة الضوء واكتسبوا مكانة مشهورة كأعداء عامون وأبرزهم آل كابوني.

بينما أصبحت صورة الطبقة الإجرامية متباينة أكثر فأكثر واتخذ فهم العلاقة بين الجريمة المنظمة والمجتمع منعطفًا حاسمًا، ولم يعد يُنظر إلى الجريمة المنظمة على أنّها نتاج للظروف الاجتماعية التي يمكن علاجها بسهولة، مثل أوجه القصور في نظام العدالة الجنائية الذي نددت به لجنة شيكاغو للجريمة في وقت سابق، وبدلاً من الإصلاح الاجتماعي والسياسي كان التركيز الآن على إنفاذ القانون بقوة.

لجنة كيفوفر 1950-1952

من أواخر الثلاثينيات إلى أواخر الأربعينيات من القرن الماضي اختفى مفهوم الجريمة المنظمة من النقاش العام، وعاد في عام 1950 عندما شرعت لجنة مجلس الشيوخ في التحقيق في الجريمة المنظمة في التجارة بين الولايات، وخلصت اللجنة برئاسة إستس كيفوفر إلى أنّ العديد من الجماعات الإجرامية في جميع أنحاء البلاد مرتبطة ببعضها البعض من قبل منظمة إجرامية شريرة تعرف باسم المافيا.

شكلت لجنة كيفوفر تغييرًا كبيرًا في مفهوم الجريمة المنظمة من ناحيتين، ومن ناحية أخرى لم تعد الجريمة المنظمة تبدو في المقام الأول نتاجًا للظروف المحلية، ولكن بدلاً من ذلك كمشكلة موجودة على المستوى الوطني وتهدد البلديات من الخارج، ومن ناحية أخرى فإنّ فكرة المافيا كمنظمة للأمريكيين الإيطاليين أضافت مكونًا عرقيًا لمفهوم الجريمة المنظمة، ومن المدهش إلى حد ما أنّ هذا لم يحدث في وقت سابق لأنّ صورة المافيا كمنظمة إيطالية أمريكية لم تكن جديدة تمامًا، وظهرت لأول مرة في عام 1890 عندما قُتل رئيس شرطة نيو أورلينز على يد عصابات مافيا مزعومة.

بعد جانب آخر جدير بالملاحظة في هذا السياق ولأول مرة اضطلعت الجهات المسؤولة عن إنفاذ القانون بدور نشط في وضع تصور للجريمة المنظمة، وكان المكتب الفيدرالي للمخدرات هو الذي قدم الشهادة التي قادت لجنة كيفوفر لتأكيد وجود المافيا في الولايات المتحدة، وفي المقابل استاء مكتب التحقيقات الفدرالي تمامًا من مفهوم الجريمة المنظمة قبل عام 1963، وقبل عام 1963 لم يرفض مديره جي إدغار هوفر فكرة المافيا الإيطالية الأمريكية فحسب، بل انتقد أيضًا المفاهيم العامة للعصابات والمنظمات الإجرامية باعتبارها العامل المهيمن في الجريمة.

أواخر الخمسينيات إلى أواخر الستينيات

في هذه الفترة من أبالاتشين (Apalachin) إلى الاب الروحي (The Godfather)، تلاشى الاهتمام بالجريمة المنظمة والمافيا الذي أثارته لجنة كيفوفر في السنوات التالية، ولكن ابتداءً من أواخر عام 1957 أعادت سلسلة من الأحداث الجريمة المنظمة إلى مركز الصدارة، وفي نهاية المطاف بحلول أواخر الستينيات أدت إلى دمج مفهومي الجريمة المنظمة والمافيا، وأصبحت الجريمة المنظمة مرادفة لكيان تنظيمي واحد متجانس عرقيًا.

فترة السبعينيات

كان مفهوم الجريمة المنظمة المتمحور حول المافيا والذي تطور خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي نتيجة التركيز على مدينة نيويورك، وعلى الرغم من تأثيره الهائل على الإدراك العام، إلّا أنّه سرعان ما ثبت أنّه غير مناسب لوضع استراتيجيات صالحة لإنفاذ القانون للولايات المتحدة بأكملها، وبعد رفض اقتراح لحظر العضوية في كوزا نوسترا، أقر الكونجرس قانون (RICO) في عام 1970 مع مفهوم أساسي واسع للغاية للجريمة المنظمة.

وبالمثل تم إنشاء العديد من اللجان الحكومية المعنية بالجريمة المنظمة استجابةً للنقاش الوطني في أحسن الأحوال، من خلال التشدق بالكلام لمفهوم كوزا نوسترا كمنظمة إجرامية شاملة، وبدلاً من ذلك قاموا بتعريف الجريمة المنظمة بمصطلحات أوسع بكثير لتشمل العصابات الأقل تنظيماً والمؤسسات غير المشروعة.

كان عدم ارتياح مماثل مع نموذج المافيا واضحًا بين مسؤولي إنفاذ القانون على مستوى الولايات والمستوى المحلي، وحتى بين أعضاء القوات الفيدرالية لمكافحة الجريمة المنظمة التي تم تأسيسها في عدد من المدن منذ عام 1967، بينما حدد البعض تنظيمًا منظمًا، وتضمنت الجريمة أعضاء كوزا نوسترا فقط بما في ذلك أي مجموعة مكونة من شخصين أو أكثر تم تشكيلها لارتكاب عمل إجرامي.

مفهوم الجريمة المنظمة غير التقليدية والدولية

في نهاية المطاف لم تؤد فكرة وجود الجريمة المنظمة أكثر من كوزا نوسترا إلى مراجعة عميقة لمفهوم الجريمة المنظمة، وبدلاً من ذلك في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات ظهر مفهوم الجريمة المنظمة غير التقليدية، والذي نقل فقط نموذج المافيا إلى منظمات إجرامية أخرى محددة عرقياً يُزعم أنّها تشبه كوزا نوسترا، مثل مجموعات شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وروسيا الخارجة عن القانون وهي عصابات الدراجات النارية وما يسمى بعصابات السجون.

في السنوات الأخيرة تراجعت عصابات الدراجات النارية الخارجة عن القانون وعصابات السجون إلى حد ما عن الأنظار، بينما حظيت مجموعات المجرمين من آسيا وأوروبا، وخاصة المجرمين من الاتحاد السوفيتي السابق وبمزيد من الاهتمام، وبالمقارنة مع كوزا نوسترا يُعتقد الآن أنّ لهم نفس الأهمية على الأقل، لا سيما في ضوء الملاحقة القضائية الناجحة للعديد من أعضاء كوزا نوسترا في سلسلة من محاكمات (RICO) منذ منتصف الثمانينيات.

اليوم يتم تطبيق مفهوم الجريمة المنظمة على الجماعات الإجرامية المحلية مثل كوزا نوسترا وما يشار إليه الآن باسم الجريمة المنظمة الدولية، أي المنظمات الإجرامية التي يعتقد أنّها تعمل على نطاق عالمي بما في ذلك الثلاثيات الصينية وما إلى ذلك والتي تسمى المافيا الروسية، ويبدو أنّه إلى الحد الذي يُعتقد أنّ كوزا نوسترا قد فقد قوته وأنّ الجريمة المنظمة تتحول إلى قضية سياسية دولية بدلاً من أن تظل قضية ذات أهمية مباشرة فقد الجمهور الأمريكي الكثير من اهتمامه السابق بالموضوع.


شارك المقالة: