التطور الثقافي ووسائله:
نعيش في عصر ثقافي يختلف كلياً عن العصور الماضية، عصر أصبحت وسائل التكنولوجيا الحديثة من الإعلام الرقمي والاتصالات الفضائية كالقنوات الفضائية والإنترنت تساهم في بلورة هذه الثقافة الجديدة والمختلفة وتغير من طريقة التعاطي مع الثقافة عموماً، وتصاحب الكتاب الورقي في تغيير وجه العالم والتعاطي مع مشاكل الناس وحياتهم ومتطلباتهم المتنوعة.
إن العصر الذي نعيشه حالياً ينتج ثقافة مختلفة وحاجيات معرفية خلافاً لما كان يتطلبه الإنسان قبل أزمنة خلت، وهو عصر يحيينا على أمل أن يبقى للثقافة وجود ورغبة في عقول الناس . فمن خلال وسائل حديثة كالإنترنت أصبحت الثقافة تُنتَج بوفرة على رغم وجود بعض الضحالة الثقافية والفكرية التي لا تؤثر على مسار التثقيف العالمي، ومن خلال كتاب مطبوع ورقياً بكيفية جيدة ومحببة إلى القارئ أصبح العالم الواعي يجد ملاذه في تغذية فكره وإشباع نظره الذي يبحث عن كل جميل وجذاب.
المجال الثقافي العالمي:
إن التساوي الحديث الذي نشاهده في المجال الثقافي العالمي بدون تحديد، يمكننا أن نقول بأن الثقافة لا زالت ممتازة مثل السياسة والاقتصاد مثلا المجالين اللذين يعيشان بين الفينة والأخرى العديد من النكسات.
قد يرى بعض الأشخاص في هذا أنه غير مبني على حقائق رقمية ولكن ما نراه نحن بواسطة تفاعلنا وتماسكنا الثقافي المحلي وتتبعنا للواقع الثقافي في العالم فإننا نجد أن مجال الثقافة عموماً قد عرف تطوراً في مستوى الإنتاج الأدبي والفكري، كما عرف تقدماً في زيادة مبيعات الكتب وتناسل المعارض المهتمة بالكتاب، إضافة إلى ارتفاع نسبة المستعملين للإنترنت محلياًوعالمياً بأعداد مهمة وهذا يعمل على تقوية الرؤية الثقافية.
وفي اختفاء أرقام مفصلة عن هذه النسب المتزايدة يوماً عن آخر، فإننا نرى بأن هذه الثورة الثقافية تدفعنا إلى استثمارها في التقليل من حدة الصراعات بين المجتمعات والأديان والحضارات في عالم اليوم، بل إنها فرصة لغرس ثقافة الحوار والدفاع عنه وجعله هو السبيل الوحيد لحل أي صراع بين الدول والأشخاص.
ومن الممكن أن يكون من الصعب استحضار الأرقام الآن فلم تعد الأرقام مهمة في ظل ثورة تتبين معالمها من واقعنا الثقافي، ورغم ضعف القراءة في العالم ومسايرة هذا الجزء من العالم للثورة الثقافية بالسرعة التي تسير بها نظيرتها في الغرب، فإننا ما نعيشه من انفتاح ثقافي وإعلامي منذ أكثر من عقد من الزمان، تناسلت خلاله العشرات من القنوات الفضائية المختلفة.
والتي عملت بعضها بالتفوق فيه ، وتزايدت خلاله أيضاً إصدارات كثيرة لجرائد وصحف ومجلات أدبية وفكرية مختصة استطاعت أن توجد لنفسها مكانة في نفس القارئ في العالم، وهذه الثورة لم تأت من فراغ، فقد كانت نتيجة للعديد من النضالات والصراعات مع الرؤية السياسية الضيقة لبعض الأنظمة التي ترى في الثقافة والإعلام عدواً لا مُكملاً ومساعداً على ممارسة السلطة والحكم بطريقة ديمقراطية وبشفافية ومسؤولية واضحة.
إن على الشخص اليوم مسؤولية عظيمة تتجلى في التنازل عن الكبرياء الموهوم الذي يحيط به نفسه، وأن يضع نفسه في قيمة السياسي الذي يتقبل النقد والرقابة الشعبية، من خلال وسائل إعلام تكبح جماحه وتظهر له أخطاءه ليصححها ويمارس مسؤوليته بكل وضوح.
ولا يمكن أن يكون هذا التعاقد إلا بخلق وسائل إعلام تهدف إلى تثقيف المجتمع، وتستعمل الثقافة بكل مجالاتها في هذه المسؤولية الواقعة على عاتقها، فلا يعقل أن يُسيّر أمّيٌ أو جاهل أو رأسمالي لم يسبق له أن دخل مدرسة، مؤسسة إعلامية لتلطيف صورته أمام الناس والدفاع عن أفعاله وممارساته في البلاد.
إن رؤية جديدة وحافز يعمل على خلق علاقة حداثية وحضارية ومترابطة بين السياسي والمتثقف اليوم كفيل بتطور ثقافتنا وتبوئها المكانة الراقية في عالم اليوم، فالكتب كثيرة ومتعددة والإنتاج الأدبي والفكري كثير وعظيم يستحق وقفة تأمل للحفاظ على مسيرته، والدفع بالنقد البناء لتنقيته من الشوائب والضعف الفكري والأدبي، فالوقت قصير لنبني لثقافة متقدمة وراقية، هذه الأمنيات قد تعني لنا الكثير؛ لأنها تخلق مجتمعاً واعياً بمسؤولياته وحقوقه وواجباته.