التعاون كظاهرة اجتماعية

اقرأ في هذا المقال


التعاون ظاهرة اجتماعية عفوية، منتشرة في كل مكان وتحدث بشكل طبيعي، ويقوم علماء الاجتماع بدراسة هذا الحدث الاجتماعي والطبيعي من وجهات نظر مختلفة.

التعاون كظاهرة اجتماعية

من المبادئ المجردة كالمبادئ الأساسية التعاون، كما هو موضح في علم الأحياء التطوري وعلم الأحياء الاجتماعي ونظرية الألعاب، والعمليات المعرفية التي تجعل التعاون ممكنًا كالاعتبارات الفلسفية للدور الذي يلعبه العقل في تسهيل السلوكيات التعاونية، إلى العناصر الثقافية التي تظهر كيف تعزز الآليات الثقافية التعاون داخل المجموعات.

وبالتالي يدرس علماء الاجتماع هذه الظاهرة الاجتماعية من حيث النتائج الثانوية السلبية للتعاون الموجود في ظواهر مثل ثنائية “نحن” مقابل “هم”، وأخيراً يآملون أن تكون هذه الدراسة بمثابة وصف شامل ومقنع للعديد من العناصر التي تجعل هذه الظاهرة الاجتماعية المعقدة ممكنة بالإضافة إلى التأكيد على سبب أهمية هذا الموضوع في الأهمية الاجتماعية والفكرية، وقد كان هدفهم في دراسة التعاون كظاهرة اجتماعية هو أولاً وقبل كل شيء استكشاف العديد من جوانب التعاون المختلفة والمراحل المختلفة التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من هذه الظاهرة.

وفي الواقع هناك العديد من المفارقات والألغاز الظاهرة في ظاهرة التعاون، والتي يحاول علماء الاجتماع أن يلمحوا إليها في جميع المجالات، ومن أجل القيام بذلك يسلطون الضوء ليس فقط على تعقيد هذا الموضوع ولكن على أهمية فهم التعاون لرفاهية الإنسان، وهكذا وانسجاماً مع روح الدراسات الاجتماعية لقد حاولوا تناول الموضوع من داخل إطار واسع ومتعدد التخصصات، علاوةً على ذلك حاولوا ترسيخ هذه الظاهرة في سياق إنساني، على أمل تسليط الضوء على قيمة دراسة التعاون باعتباره جهدًا مهمًا وجديرًا بالاهتمام.

أشكال التعاون كظاهرة اجتماعية

التعاون الاجتماعي

ركز علماء الاجتماع على دراسة شكل من أشكال التعاون كظاهرة اجتماعية وهو التعاون الاجتماعي في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، والذي يركز على البيئة البشرية للحياة الحضرية والعلاقات الاجتماعية وأشكال التنظيم، وقد قدم علماء الاجتماع أمثال روبرت بارك وجورج سيميل وإميل دوركهايم وجهات نظر معقدة عن تنظيم الجوار حيث يؤسس التعاون والمنافسة العلاقات بين المجموعات، إذ أدت التوترات الناتجة إلى تقويض السيطرة الاجتماعية، والمجتمعات حققت النظام من خلال التعاون الاجتماعي والاعتماد المتبادل.

في وقت لاحق أكد علماء الاجتماع على القدرة التنافسية الحيوية المتأصلة في التعاون الاجتماعي في السيطرة على الحياة الحضرية والصراع على الموارد النادرة، وأشار علماء اجتماع آخرون إلى آثر التعاون الاجتماعي في النضال البشري داخل المدن وما يترتب على ذلك من تكيف للتنظيم الاجتماعي مع التغير البيئي الخارجي، على سبيل المثال جادل لويس ويرث عام 1938 بأن التعاون الاجتماعي يمثل تكتلًا للنشاط البشري، وأن التخصص الاجتماعي للتعاون أدى إلى أنماط معقدة من الفصل الاجتماعي.

وعلى الرغم من الاعتراف بتجمع المجموعات ذات الهويات المشتركة، شدد علماء الاجتماع وعلماء النفس الاجتماعي على سطحية العلاقات الاجتماعية الناتجة عن الحياة الحضرية حيث كانت الصلات الطبقية والعرقية أقل أهمية من عدم التجانس الاجتماعي، حيث كانت المدن كبيرة وغير شخصية ونشأت الانقسامات بين الأشخاص الذين ينتجون طرقًا مختلفة للحياة جعلت التعاون الحقيقي والحياة المجتمعية المستقرة صعبة التحقيق.

لكن علماء الاجتماع خارج تقليد الإيكولوجيا البشرية جادلوا بأن التجربة الحضرية يمكن تعريفها اجتماعيًا بشكل أفضل بالرجوع إلى القوى التي تحول علاقات الطبقة الاجتماعية التقليدية والعلاقات المجتمعية حيث كانت العلاقات أقل حميمية وغير متعاونة وغير متماسكة.

وعلى خلفية أزمة التعاون الحضري ركزت الأبحاث بشكل متزايد على العرق والحرمان الاجتماعي وعدم إمكانية الوصول إلى البيروقراطيات المحلية، وتبنى علماء الاجتماع نهجًا ينظر إلى الأقليات العرقية في الحصول على السكن حيث تأثرت أهداف الناس بالتفاعل بين الظروف الاجتماعية والمكانية من خلال التعاون الاجتماعي، وأيضًا من هذا المنظور تم اعتبار بيروقراطية الدولة الحضرية كآلية تقيد وصول السكان المحليين إلى الخدمات الحضرية.

التعاون الاقتصادي الدولي

يحاول علماء الاجتماع فهم التعاون الاقتصادي الدولي في ظل نموذج الاختيار العقلاني، استنادًا إلى الافتراض الأساسي القائل بأن الدول تعظم الربح، ويقدمون معيارين لقياس نجاح التعاون التنظيمي الدولي هما مدى المؤسسات ووجود نتائج اقتصادية إيجابية، كما إنهم يطبقون هذه المعايير على أنظمة تنظيمية دولية مختلفة ويلخصون إلى أن بعض الأنظمة كانت ناجحة كالتجارة الدولية، وبعضها شبه ناجح ككفاية رأس المال، والبعض إخفاقات كسعر الصرف الأجنبي، وفي الواقع يقدم هاؤلاء المعيارين دليلًا قويًا على سلوكيات الدولة المتعلقة بالتعاون التنظيمي الدولي.

ومع ذلك لا يمكن لنموذج الاختيار العقلاني إلا أن يكون ناقصًا لأنه يفترض ببساطة بعض السمات المهمة للفاعلين الحكوميين، وبدلاً من اتباع مصفوفات الربح المبرمجة مسبقًا ميكانيكيًا، غالبًا ما يتم توجيه سلوكياتهم بواسطة عوامل فكرية، مثل الثقافة والمعايير والقيم والخطاب والأيديولوجية.

فهم تطور التعاون كظاهرة اجتماعية من خلال الانتقاء الطبيعي

يعد فهم تطور التعاون كظاهرة اجتماعية من خلال الانتقاء الطبيعي أحد التحديات المفتوحة في علم الأحياء، لأن السلوك الإيثاري يبدو غير متوافق مع نظرية الاختيار الداروينية، ومع ذلك فإن التعاون موجود في كل مكان في الكائنات الحية، من المستعمرات البكتيرية إلى المجتمعات الحيوانية والبشرية، ومن بين المحاولات الحالية لبناء نظرية التعاون لعبت نظرية اللعبة التطورية مع امتداداتها المختلفة دورًا مركزيًا في معالجتها.

وتم اقتراح عدد كبير من الآليات للحفاظ على سلوك التعاون في المجالات التطورية، وحتى الآن تشمل أبرز الآليات اختيار الأقارب والمعاملة بالمثل المباشرة وغير المباشرة واختيار المجموعة والمعاملة بالمثل على الشبكة، ومن بينها تعد المعاملة بالمثل على الشبكة هي الآلية الأكثر شهرة، والتي تشير إلى إنه في المجموعات السكانية المهيكلة يمكن للمتعاونين أن يتجمعوا في مجموعات مدمجة وبالتالي يتجنبوا القضاء عليهم من قبل المنشقين.

وعلى الرغم من أن الأدلة التجريبية المستندة إلى التجارب الاقتصادية تشير إلى أنها قد تتعرض للخطر أو تفشل، لا يزال هناك مكان واسع لاستكشاف كيف ولماذا يعزز الهيكل المكاني التعاون، خاصة مع ظهور شبكات معقدة مختلفة مثل العالم الصغير والشبكات الخالية من المقياس، والتسلسل الهرمي والشبكات المتطورة المشتركة، وتحول الاهتمام مؤخرًا نحو الشبكات المترابطة، حيث قد تتسبب التغييرات الطفيفة في إحدى طبقات الشبكة في حدوث نتائج كارثية وغير متوقعة إلى حد كبير على شبكة أخرى.

وبعد هذا الاكتشاف تم اختبار متانة هذا الهيكل والعمليات الديناميكية المتنوعة، مثل انتشار الوباء والانتشار والتصويت والتزامن ونموذج اللعبة باعتبارها موضوعات ساخنة، وتم تعزيز التعاون بسبب تباطؤ غزو الانشقاق، بينما إذا تم إنشاء التطور المشترك بين الإستراتيجية وهياكل فقد يتم الكشف عن أن الترابط يمكن أن يُنظم ذاتيًا لتحقيق مستوى التعاون الأمثل.


شارك المقالة: