التعاون في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


التعاون في العمليات الاجتماعية في علم الاجتماع:

التعاون هو محاولة منظمة من جانب بعض الأفراد للوصول إلى هدف مشترك، وهو عملية تجميع واتحاد وبناء وتدعيم، ونجده بيولوجيا في الصراع من أجل البقاء كسبب لبقاء الكائنات العضوية، فلو كانت حياتها في صراعاً دائماً لفنيت وقضت على بعضها البعض، ولكن من وسط الصراع ينبت التعاون، وقديماً تعاون الناس لحماية أنفسهم من جور الطبيعة في فيضان أو حريق أو حيوان مفترس.

هذا وقد تطور التعاون من هذا الشكل الغريزي التلقائي الدفاعي إلى نوع أكثر تنظيماً ورقياً وهو التعاون الديمقراطي، كما حدث بعد الحروب العالمية، حيث ظهرت رغبة الدول في تعاونها ومناهضة الصراعات والحروب.

والتعاون عملية اجتماعية يعود الفضل فيها إلى العائلة أولاً ثم إلى المحيط الخارجي ثانياً في ترويض الأفراد عليها، والتعاون ولو أنه عملية اجتماعية إلا أنه يستجيب مع بعض الدوافع الفطرية الكامنة في الطبيعة الإنسانية، فالنفس الإنسانية تنطوي على طائفة من الغرائز الغيرية بجانب انطوائها على الغرائز الذاتية، وذلك قد يدلنا على أن حرص الإنسان على تحقيق مصالح الغير لا يقل كثيراً عن حرصه على مصالحه الشخصية، ﻷن الإنسان كما يقول “آوم سميث” ولو أنه مسير بدافع المصلحة الشخصية، إلا أن النظام الطبيعي يوحي إليه بتحقيق مصلحة الآخرين وهو بصدد تحقيق مصلحته.

فالطالب الذي يجتهد في دراسته يحقق تفوقاً شخصياً، لكن هذا التفوق يشد زملاءه الآخرين للتنافس معه علمياً فيتقدمون علمياً أيضاً، وبالتالي يجني المجتمع كله من تفوقهم كلهم علمياً؛ ﻷنهم سيشغلون مناصب مختلفة في الدولة، وكذلك الحال مع الشخص الذي ينادي برصف طريق يوصل إلى بيته مثلاً، إنما يحقق مصلحة للآخرين الذين سيستخدمون هذا الطريق المرصوف.

أنواع التعاون في العمليات الاجتماعية:

1- التعاون الدفاعي التلقائي: كتعاون أفراد المجتمع الذي حدثت به كارثة، حيث يهبّ الناس متعاونين لحل هذه الكارثة والتخفيف منها، دفاعاً عن حياتهم وممتلكاتهم والغرض من هذا الشكل من التعاون هو المحافظة على بقاء الجماعة.

2- التعاون المتبادل: وهو الذي يمكّن من التطور والارتقاء الإنساني.

3- التعاون الاختياري: كإقدام البعض على إنقاذ غريق، أو إطفاء حريق، أو التبرع لمساعدة الفقراء والمحتاجين، أو ضحايا الحروب أو المجاهدين.

4- التعاون القهري الجبري: وهو التعاون المفروض بحكم التنظيم، كما هو الحال بين الموظفين في نطاق عمل المصنع أو المؤسسة، أو غيرها.

5- التعاون التعاقدي: وهو أرقى أشكال التعاون وأكثرها تنسيقاً وتنظيماً نحو بلوغ الأهداف الاجتماعية المشتركة، ومن أمثلته التنظيمات التعاونية كالجمعيات الاستهلاكية، والجمعيات الإنتاجية والجمعيات الائتمانية.

6- تعاون محدود النطاق في مقابل تعاون واسع النطاق: الأول هو ما يقتصر على جماعة بعينها، كمجتمع مصنع، أو مجتمع محلي، والثاني ما اتسع نطاقه ليشمل مجتمعاً كبيراً، أو عدة دول وأقاليم، أو حتى على مستوى العالم.

7- التعاون المباشر والغير مباشر: ومن أمثلة الأول تعاون جمع من العمال مثلاً على حفر ترعة، بمعنى أن المتعاونين العمال يؤدون عملاً واحداً ويحققون غرضاً مشتركاً، أما غير المباشر، مثلما يؤدي كل فرد من المتعاونين عملاً خاصاً يختلف عن عمل زميله، ولكن هذه الأعمال الجزئية الخاصة التي يؤديها كل فرد تتجه في النهاية وتتركز نحو موضوع مشترك.

ويرجع بعض الدارسين عملية التقسيم إلى مباشر وغير مباشر إلى التفرقة بين المصالح المشتركة وبين المصالح المتشابهة أو المماثلة، ففي الأولى يندفع الأفراد إلى التعاون بدافع تملكهم مع جماعاتهم، وتمثلهم لقيمها ومثلها العليا كمصلحة الأسرة أو الطائفة أو الدولة، أما المصالح المتشابهة الثانية، فالدافع فيها إلى التعاون هو توافق المصالح الفردية مع مصلحة الآخرين.

ولهذا فهي ليست قوية مثل المصلحة المشتركة التي يشعر الفرد أن نجاحه فيها لا يكفي، بل لا بدّ من نجاح المجموعة كلها ﻷن المصلحة مشتركة وعامة، بحيث يصعب تجزئتها، فتعاون جماعة في لعبة شد الحبل مثلاً لا يحقق الهدف المشترك الفوز إلا بنجاح كل المجموعة.

دوافع التعاون في العمليات الاجتماعية:

1- ترابط الجماعة وتماسكها، إذ كلما قويت العلاقات بين أفراد الجماعة كلما أدى ذلك إلى ارتفاع روح التعاون بينهم.

2- سيادة مبدأ تكافئ الفرص والعدالة والمساواة بين الأفراد والجماعات ما أمكن، وتذويب الفوارق بين الفئات والطبقات الاجتماعية، كل ذلك يخفف من مشاكل التنافر والحسد والبغضاء، ويشق الطريق أمام التعاون ويعمل على زيادته وسيادته.

3- محاولة توحيد الأهداف المشتركة، وجعلها معبرة عن آمال الناس، ومعالجة ﻵلامهم حتى تلتقي ميولهم المشتركة إزاءها فيسود التعاون، ويسعون إليه ﻷنه سيصادق رغبة لدى كل منهم.

4- سيادة علاقات القربى، والصداقة والمشاركات الوجدانية، وكلها علاقات تدفع إلى التعاون بدافع المحبة والقبول والرضا.

5- قد تتحقق المصالح الشخصية من خلال المصالح العامة المتماثلة التي لا تتم إلا في إطار تعاوني يوفق بين مختلف المصالح، ويوجد وجهات النظر لمنفعة متبادلة.


شارك المقالة: