التفكير العقلاني والترشيد عند ماكس فيبر

اقرأ في هذا المقال


التفكير العقلاني والترشيد عند ماكس فيبر:

تزامن ظهور المجتمع الحديث في نظر ماكس فيبر مع بروز تغيرات مهمة في أنماط الفعل الاجتماعي، لقد أخذ الناس في تلك الفترة بالتغير عن الاعتقدات التقليدية التي تستند على الشعوذة والشعائر الدينية والعادات والمواضع الاجتماعية، وبدأ الأفراد بدلاً من ذلك بتبني أساليب التفكير العقلاني والترشيد والحساب التي تأخذ بالاعتبار معايير الكفاءة وتوقعات المستقبل.

ولم يكن في المجتمعات الصناعية متسع للعواطف أو للاستمرار في القيام بأعمال معينة لمجرد أن الآخرين قد درجوا على إنتهاجها في الماضي ﻷجيال عديدة، وقد أطلق فيبر اسم الترشيد العقلاني على تنمية العلوم، وتطوير التقنية ونمو البيروقراطية.

ويعني الترشيد العقلاني في هذا المعنى تنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية بدءً من مبادئ الكفاءة المعتمدة إلى المعرفة التقنية، ففي حين الدين والعادات المتوارثة هي التي تقوم بالدور الأساسي في تعين ما يحمله أفراد المجتمع من قيم واتجاهات في المجتمعات التقليدية، أخذ المجتمع الحديث يتميز بالترشيد العقلاني التي تتزايد لمجالات الحياة بما فيها الأنشطة السياسية والدينية والاقتصادية.

لقد كانت الثورة الصناعية وتنامي ليس الصراع الطبقي كما افترض ماكس فيبر بل عمل ازدهار العلوم والبيروقراطية، أي المؤسسات الكبيرة، وكان فيبر يرى أن الطبيعة العلمية للغرب هي أبرز السمات التي تميز تلك المجتمعات.

وكان يعتقد كذلك أن البيروقراطية، باعتبارها السبيل الوحيد لتنظيم أعداد ضخمة من الناس على أساس الكفاءة، تتسع مع تصاعد النمو الاقتصادي والثقافي، واستخدم فيبر اصطلاح إبطال السحر ليصف الطريقة التي اكتسح فيها التفكير العلمي في المجتمعات الحديثة تيارات التعاطف الوجداني التي كانت سائدة في الماضي.

ولم يكن ماكس فيبر متفائلاً كل التفائل بالنتائج التي سيسفر عنها الترشيد العقلاني، لقد كان يتخوف من أن نظام المجتمع الجديد قد يدمر الروح الإنسانية بسعيه إلى تنظيم وتقنين مجالات الحياة الاجتماعية كافة.

ومن الهواجس التي كانت تساور ماكس فيبر الآثار الخانقة اللإنسانية للبيروقراطية وتداعياتها ومضاعفاتها على مصير الديمقراطية وكان يرى أن أجندة عصر النهضة في القرن السابع عشر بما فيها من تطلع إلى التقدم والثروة والسعادة عن طريق رفض العادات الموروثة والخرافات وتبني العلم والتقانة قد تمخّضت كلها عن مخاطر جديدة للإنسان.


شارك المقالة: