التكامل بين منظورات العلوم السلوكية في علم الاجتماع الطبي

اقرأ في هذا المقال


من المؤكد أن منظورات العلوم السلوكية ليست منفصلة بهذا الشكل الذي تناولناها به لغرض التحليل، وإنما هي متكاملة ومتداخلة فيما بينها؛ ﻷنها تهتم بالإنسان بؤرة هذه العلوم كلها، بحثاً ودراسة، كما أنه تمثل من ناحية أخرى أساليب تصورية تساعدنا على فهم العمليات الاجتماعية والسلوكية في المجتمع، وبالتالي نتمكن من توضيح إصابة المرض، والاستجابة له.

التكامل بين منظورات العلوم السلوكية في علم الاجتماع الطبي:

يتضح أن الإنسان قادر على السيطرة على الأحداث، وإن كانت قدرته رهينة بمدى دافعيته، وطريقة تنظيم جهود ومعارفه، وتوافر أدوات العمل، وحجم البيانات المتاحة أمامه، أضف إلى ذلك أن توافر هذه الأساليب والأدوات كفيل بزيادة سيطرة الإنسان على البيئة الاجتماعية والطبيعية.

فالعناصر المادية كأدوات العمل تساعد على السيطرة على البيئة وإخضاعها لصالحه العام والتغلب على مصادر الأمراض والأوبئة فيها، كما أن المعرفة والمهارات تشير إلى التقنية المتاحة ﻷحداث التغيير الاجتماعي والثقافي سواء في الثقافة المادية وفي الثقافة اللامادية، أو في العلاقات بين الناس على حين تتضمن المعلومات وعي الإنسان بالفعل ورد الفعل في البيئة، والدوافع التي تحكم هذه الأفعال وردودها، بينما تحوي عملية الاتصال مجموعة من الناس المشتركين في التفاعل، ومدى أهميتهم من خلال امتلاكهم للوسائل والمعرفة والمعلومات والمهارات.

هل سلوك المرض يعكس حاجة المريض إلى التكيف مع الواقع الاجتماعي؟

إذا كان سلوك المرض يعكس حاجة المريض إلى التكيف مع الواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه، فإن تعريفنا للمرض واستجابتنا له، يمكن أن نفسره في ضوء هذه الحاجة، وعندما نتناول سلوك أعضاء النسق الطبي الرسمي، فلا بدّ من مراعاة نظام العمل اليومي، وحاجاتهم؛ ﻷن هذه المهام تستلزم اتخاذ بعض الإجراءات، وتوافر بعض التقنيات المناسبة، وبالتالي يمكن القول بأن المرض يمثل بوتقة تنصهر فيها سلوك المرض، وتعريفنا له واستجابة أعضاء النسق الطبي الرسمي لمتطلباته، لتخرج منها عمليات تفاعلية تفيدنا في السيطرة على البيئة الطبيعية، والبيئة الاجتماعية على حد سواء.

ولعل ذلك يفسر لنا فشل بعض البرامج والمشروعات الصحية التي تنفذها الأجهزة الحكومية لتحقيق التنمية الصحية، فالفشل يكون راجعاً إلى الثقافة السائدة، وطبيعة البناء الاجتماعي الذي تعتمل في جوفة الصراعات والتوترات، ولذلك فإن فهم هذه الثقافة، والتعرف على البناء الاجتماعي، يمثلان ضرورة لا بدّ منها لنجاح هذه البرامج والمشروعات، علاوةً على استيعاب عملية التغير التي تظهر في المجتمع، للوقوف على المشكلات المصاحبة لها ومواجهتها.


شارك المقالة: