الثقافة من منظور علم الآثار

اقرأ في هذا المقال


الثقافة من منظور علم الآثار:

مع المطلع الأخير من القرن التاسع عشر لقد تم اعتبار علم الآثار من أحد العلوم التي تعمل بشكل مكمل للتاريخ، في أغلب الأحيان، ولا ننسى الهدف الأساسي الذي سعى إليه علماء الآثار بالعمل على تحديد القطع الأثرية وفقاً لتصنيفها ومكانتها بين الطبقات الأرضية.

كذلك قام مجموعة من العلماء جاهدين بالعمل على تحديد موقعها الزمني والمكاني، حيث قام العالم فرانز بواس “Franz Boas” بالتصميم على جعل علم الآثار واحدا من المجالات الثقافية لعلم الاجتماع، كما عمل أيضاً على التعريف بأن المناقشات التي تدور في محيط علماء الآثار غالباً ما يضاهيها تلك المناقشات التي تدور في أروقة علماء الثقافية.

لا بد من معرفة ما جرى في الفترة الزمنية ما بين عام 1920 و 1930 م، حين بدأ كل من عالم الآثار جوردن شيلد “Gordon Childe”، وأيضاً العالم وسى ماكرين، الذين عملوا جاهدين يداً بيد على التحرك بشكل مستقل من السؤال عن تاريخ القطعة الأثرية، للسؤال عن أولئك الذين قاموا بإنتاجها عندما يقوم علماء الآثار بالعمل جنباً إلى جنب مع المؤرخين، فإن المواد التاريخية عموماً ما تساعد على الإجابة على مثل هذه الأسئلة.

ولا بد من معرفة أنه عندما لا تتوفر العلوم التاريخية، فلا بد من أن يقوم العلماء بالعمل على صنع وابتكار مجموعة من الأساليب الجديدة، وهذا الأمر قام به كل من العالم تشيلد Childe والعالم ماكيرن McKern، من خلال تركيزهم على تحليل العلاقات بين الأشياء التي يتم العثور عليها معاً، الأمر الذي أدى إلى التوصل إلى الأساس لنموذج ثقافي ثلاثي المستويات.

كذلك لا بد أيضاً من معرفة ما قام به العالم والتر تايلور Walter Taylor عندما عمل على تعريف مجموعة الأساليب والمعاني التي قام بوضعها مجموعة من علماء الآثار، لتصبح بعد ذلك نموذجاً عامًا للمساهمة الأثرية لمعرفة الثقافات.

حيث قام في البداية بمحاولة لفهم الثقافة بوصفها أمراً ثقافياً للنشاط المعرفي لكافة أفراد المجتمع، والتأكيد القطعي على المفاهيم الموضوعية للكائنات في ضوء السياق الثقافي لها، كذلك وقام بتعريف الثقافة على أنها عبارة عن ظاهرة ثقافية عقلية ذات طابع مندمج، التي تتألف مما يشتمل عليه العقل، وليس من الأشياء المادية أو السلوك الخاضع للملاحظة.

كذلك قام جاهداً بوضع نموذج ثلاثي المستويات للربط بين العلوم الثقافية والآثار، والذي وصفه بأنه علم الآثار الموصل، وأولها وأبرزها الثقافة غير الخاضعة للملاحظة وغير المادية، كذلك مجموعة السلوكيات غير المادية التي نتجت عن الثقافة، والتي يمكن ملاحظتها من خلال التطبيق الثقافي، كذلك أيضاً الهدف والغاية النهائية، مثل الأعمال الفنية والمعمارية، والتي هي نتيجة للسلوك والمادية.

كذلك لا بد من المعرفة بالأعمال الأثرية ما هي إلا من أثر الثقافة، ولكن لا نقصد بالثقافة ذاتها، وكان ما يرمز له العالم تايلور هو أن الأعمال الأثرية يمكن أن تسهم بشكل رسمي في المعرفة الثقافية، ولكن فقط إذا قام علماء الآثار بتصور عملهم على أنه ليس مجرد عملية البحث عن الآثار وتسجيل مواقعها في الزمان والمكان، ولكن ما يمكن استنتاجه من السلوكيات التي من شأنها إنتاج واستخدام تلك المواد، ومن ثم استنتاج الأنشطة التابعة للثقافة التي يقوم بها الأفراد.

علماء الآثار وبحثهم في علم الاجتماع:

كذلك وعلى الرغم من أن عدداً كبيراً من علماء الآثار، قد تمت موافقتهم على أن أمر البحث كان جزء لا يتجزأ من علم الاجتماع، إلا أن برنامج العالم تايلور لم يستنفذ الأمر بالكامل بشكل قطعي، لذلك كان أحد الأسباب الرئيسية في ذلك هو أن نموذجه الثلاثي الذي تضمن المستويات الثقافية، ذلك النموذج القائم لتعريف الدلالات التي تطلب الكثير من العمل الميداني والتحليل المختبري ليكون عملياً.

وتأكيد على ذلك، فكان يرى أن المجموعات المادية لا يمكن اعتبارها بحد ذاتها من المجموعات التي تنتسب للمكونات الثقافية، مما أدى ذلك الأمر إلى محوها من الثقافة، وفي واقع الأمر أدت إلى تهميش علم الآثار بالنسبة إلى العلوم الثقافية.

وبعبارة أخرى، فقد قام مجموعة من علماء الآثار بالعمل على تقديم مشروعاً محورياً من علماء الاجتماع الثقافية المهيمنة في ذات الوقت، وقد عملوا جاهدين بأمر الثقافة بوصفها غير قابلة للتعديلات الوراثية بالنسبة إلى البيئة، كما كان علم الآثار الجديد يمثل الأمور الثقافية على هيئة البيئة الثقافية أو الأيكولوجية للماضي.


شارك المقالة: