اقرأ في هذا المقال
لطالما كانت الطبقة الاجتماعية مكونًا حاسمًا في دراسة الجريمة والإجرام وردود فعل نظام العدالة الجنائية، وعلى الرغم من أنّ البحث غير واضح فيما يتعلق بالطبيعة الدقيقة للعلاقة يبدو من الواضح أنّ الطبقة الاجتماعية مهمة، حيث من المهم تحديد من الذي يقرر السلوكيات الضارة التي يتم تجريمها وأيها لا يتم تجريمها، كما إنّها مهمة عند تحديد شدة العقوبات وتنفيذ السياسات على مرتكبيها، وإنّها مهمة في أنواع الجرائم التي يمكن للمرء ارتكابها ونوعية الدفاعات التي يمكن للمرء أن يرتكبها عند القبض عليه، ومن المهم عندما ينظر المرء إلى سجلات الاعتقال ونزلاء السجون، ومن المهم تحديد أنماط الإيذاء وهو مهم في حساب الضرر الناجم عن الجريمة.
الطبقة الاجتماعية والإيذاء الجنائي
على الرغم من وجود بعض الجدل حول العلاقة بين الطبقة الاجتماعية والإجرام، فإنّ العلاقة بين الطبقة الاجتماعية والإيذاء الإجرامي معروفة ومقبولة بشكل عام، وتشير البيانات التي قدمتها الدراسة الاستقصائية الوطنية لضحايا الجرائم إلى أنّه على الرغم من أنّ العلاقة بين الطبقة الاجتماعية والإيذاء تختلف باختلاف الجريمة بشكل عام، فيميل الأشخاص الأقل ثراءً إلى تحمل عبء أكبر كضحايا للجريمة لا سيما فيما يتعلق بجرائم العنف، والفرق بين الأسر الغنية والأسر الفقيرة كضحايا لجرائم الملكية أقل دراماتيكية على الرغم من أنّ جريمة السطو الأكثر خطورة تواجه الأسر الفقيرة مخاطر أكبر من الأسر الغنية.
غالبًا ما تكون الصورة الشائعة لجرائم الشوارع هي صورة الفقراء الذين يستغلون الأغنياء، ولكن حقيقة الجريمة هي أنّ معظم الناس يميلون إلى ارتكاب الجريمة على مسافة قصيرة نسبيًا من المكان الذي يعيشون فيه، وبالتالي إذا كان من المرجح أن تؤدي التناقضات الهيكلية للفقر وعدم المساواة إلى ارتكاب الأفراد لجرائم عادية فهذا يعني أنّ الفقراء هم أيضًا أكثر عرضة لأن يكونوا ضحايا جرائم الشوارع.
الطبقة الاجتماعية والجريمة والسياسة
الأكثر إشكالية بشأن سوء الفهم الواضح للطبيعة الإجرامية للحرمان الاقتصادي والاجتماعي هو أنّ السياسات المنفذة على أساس هذا الافتراض تكون أكثر ضررًا للطبقات الدنيا، ويمكن للسياسات الحكومية أن تزيد أو تقلل من العواقب الإجرامية لعدم المساواة في الدخل والثروة من خلال اختيار اتباع استراتيجيات العدالة الوقائية أو العقابية، وستساعد الاستراتيجيات الوقائية مثل:
1- تعليم الأطفال الفقراء في سن ما قبل المدرسة.
2- إعانات الإسكان وسياسات دعم الدخل للأسر الفقيرة في الحد من الآثار السلبية لعدم المساواة.
3- تقليل عدد الأطفال ذوي الدخل المنخفض الذين يصبح اليأس بالنسبة لهم طريقًا للانحراف وتعاطي المخدرات وربما حتى جرائم البالغين.
تهاجم الاستراتيجيات العقابية والردعية الأكثر انتشارًا اليوم الجريمة من خلال تكتيكات صارمة مثل تحديد الأحكام والحروب على الجريمة والمخدرات وإزالة برامج إعادة التأهيل من السجون، وينتج عن هذا زيادة في عدد الأشخاص ومعظمهم من الفقراء الذين سيكونون ضحايا الجرائم التي يرتكبها أولئك الذين انخرطوا في نظام العدالة بطرق لا تترك سوى القليل من الخيارات سوى العودة إلى الجريمة بمجرد عودتهم إلى مجتمعاتهم.
الجريمة والتوزيع غير المتكافئ بين الانقسامات الاجتماعية
تتميز الانقسامات الطبقية الاجتماعية بالتوزيع غير المتكافئ للسلطة السياسية والسلطة الثقافية والثروة، والأفراد الذين تأتي أموالهم بشكل أساسي من الاستثمارات أو المهن ذات الأجور المرتفعة لديهم فرص أكبر للتأثير على المؤسسات الرسمية للحكومة، بما في ذلك نظام العدالة من العاملين العاديين أو الفقراء أو العاطلين عن العمل أو الشباب أو غير المتعلمين، وإذا كان المرء يشك في ذلك فسيجد غالبًا أنّ معظم الأعضاء يميلون إلى أن يكونوا أثرياء ويعملون في مهن رفيعة المستوى أو أصحاب أعمال أو يمتلكون مزيجًا من هذه الخصائص.
على المستوى الفيدرالي ثلث جميع أعضاء مجلس الشيوخ وأكثر من ربع جميع ممثلي الكونغرس في الولايات المتحدة مثلًا هم من أصحاب الملايين، وتكاد تكون المجموعات الاجتماعية غير النخبوية التي تشكل معًا الغالبية العظمى من المشهد الاجتماعي الأمريكي غائبة تمامًا عن عملية سن القانون، ونتيجة لذلك من المرجح أن تعكس القوانين والسياسات التي تحدد كيفية تعريف الجريمة القيم والتجارب الحياتية ومصالح المستويات العليا في المجتمع، وينطبق هذا على باقي الدول لمنفذي السياسات والقانون على مرتكبي الجرائم على المجتمع بكافة طبقاته.
بالطبع لا تعكس القوانين والسياسات مصالح الطبقات العليا في المجتمع فقط وعبر الطبقات الاجتماعية هناك العديد من مجالات التوافق حول تعريف الجريمة، ويتفق كل من الأغنياء والفقراء على أنّ القتل والاغتصاب والسطو يجب أن يعامل كجرائم، كما إنّه المكان الذي ينهار فيه هذا الإجماع حول تعريف الجريمة حيث تصبح القوة الأكبر للطبقات العليا واضحة.
على سبيل المثال يرى معظم الأمريكيين أنّ الأفعال المتعمدة لجرائم ذوي الياقات البيضاء التي تؤدي إلى الموت أو الإصابة على أنّها خطيرة مثل جرائم الشوارع التي تؤدي إلى الوفاة أو الإصابة، ويرون أنّ الفساد المؤسسي والسياسي يستحق العقاب مثل أعمال السرقة العادية، ومع ذلك يأتي المشرعون في المقام الأول من طبقات المجتمع التي لديها القدرة الحصرية على ارتكاب جرائم ذوي الياقات البيضاء، ونتيجة لذلك كانت مقاضاة ومعاقبة جرائم ذوي الياقات البيضاء والشركات والجرائم السياسية دائمًا أكثر تساهلاً من التعامل مع جرائم الشوارع.
ما هي الجرائم الأكثر ضررا
بالإضافة إلى الخلاف حول من هو الأكثر عرضة لارتكاب الجريمة هناك خلاف كبير حول من هي جرائمه التي تسبب أكبر قدر من الضرر، ولحسن الحظ قدمت الأبحاث السابقة بعض الإجابات الواضحة إلى حد ما على هذا السؤال مما أدى إلى الملاحظة التالية: حيث يشكل المخالفون من النخبة خطرًا أكبر بكثير على الصحة والحياة والرفاهية الاقتصادية من مجرمي الشوارع.
هناك ما يقرب من 20000 جريمة قتل في الولايات المتحدة كل عام، ومع ذلك يموت ما يقرب من 100000 شخص كل عام بسبب الأمراض والحوادث المرتبطة بالعمل، وتحدث حوالي 40.000 حالة وفاة بسبب الرعاية الطبية غير الكافية والعمليات الجراحية غير الضرورية، وقدر جاي ألبانيز أنّ الخسائر الاقتصادية السنوية بسبب جرائم الشوارع تبلغ حوالي 10 مليارات دولار في حين أنّ الخسائر الناجمة عن جرائم ذوي الياقات البيضاء بلغت 200 مليار دولار تقريبًا.
كما يشير جيفري ريمان في كتابه الغني يزداد ثراء والفقراء يسجنون (The Rich Get Richer and the Poor Get Prison) فإّن الرقم الأخير هو بلا شك أقل من الواقع، وقدرت حسابات ريمان الخاصة تكلفة جرائم ذوي الياقات البيضاء بأكثر من 400 مليار دولار سنويًا، وأشار إلى أنّ هذا الرقم يقلل أيضًا من تقدير التكلفة الحقيقية لجرائم ذوي الياقات البيضاء، وفي الواقع قدر باحثون آخرون أنّ الخسائر المادية والجسدية -البدنية- من جرائم الموظفين والشركات قد تتجاوز في الواقع 600 مليار دولار.
إذا سألنا من هو الأكثر احتمالا لإلحاق الضرر بالمجتمع يبدو أنّ قطاعات الطبقة العليا والمتوسطة تشكل أكبر خطر على صحتنا وحياتنا ورفاهيتنا الاقتصادية، وإذا تمسكنا بمسألة من يرتكب الجرائم التي يستهدفها نظام العدالة تظل الصورة غير واضحة.