لا يستطيع الكثير من الناس إنكار أنهم تجرعوا جرعات كبيرة من خرافات وخزعبلات حول الجنّ والعفاريت في مرحلة الطفولة، وبات الجنّ والعفاريت في خيال الكثير من الناس عالمًا زاخرًا بالخوف والرهبة، هو عالم يضج بالكائنات الفظيعة والشنيعة، وأضحت الأساطير والخرافات الشعبية هي المصدر الفعال والمؤثر في تكوين وتغذية هذه الصورة النمطية عن الجن.
أسباب إيمان الشعوب بخرافات الجن:
ربما كان لانتشار تلك الأساطير والخرافات وتصديقها الكثير من الأسباب الوجيهة في المجتمعات المختلفة؛ وذلك لأنهم يفتقدون المصدر الموثوق الذي يخبرهم عن ذلك العالم المجهول والغريب، لكن تُرى ما هو السبب في انتشار تلك الأساطير والخرافات وما ترسمه من معتقدات خاطئة؟ وما يلحق ذلك من ممارسات خطيرة تكاد تفتك ببعض الفئات في المجتمعات الإسلامية، حيث اعتنى القرآن بكشف هذا العالم الخفي، وكذلك السنة النبوية المطهرة، حتى لا تجد الأساطير والخرافات متسعًا في عقل المسلم تحرفه عن اعتقاده أو تؤثر على سلوكه.
لعل من أهم الأسباب وراء شيوع تلك الظاهرة يرجع إلى بعد الناس عن تلقي هذه المعرفة “المعرفة بالجن” من مصادر الشرع المطهر والاستعاضة عن ذلك بما ترويه وتنقله الأساطير والخرافات وأحاديث الناس واللجوء إلى الكهنة والسحرة الذين يحاولون إضفاء نوع من الهالة على ما يقومون به من اتصال بالجن وإبقاء بعض الأقوام على ما ورثوه من عادات وتصورات جاهلية، فتناقلت الأجيال هذه التصورات والعادات إلى يومنا هذا لتصبح جزءًا لا يتجزأ من موروثهم الشعبي الذي يتحدث عن عالم الجن الغريب، تلك هي أهم الأسباب التي شكلت تلك التصورات عن الجن.
معتقدات وخرافات الشعوب حول الجن:
وفيما يلي سيتم ذكر بعض معتقدات وخرافات الشعوب في مختلف بقاع الأرض حول الجن وعالمهم الخفيّ، لرصد تلك الظاهرة وآثارها على عقيدة المسلم وسلوكاته، وللفت انتباه المصلحين كي يعالجوها وينبهوا إلى أخطارها.
معتقدات وخرافات النوبيين حول الجن:
لا يزال كثير من النوبيين في مصر يقومون بإلقاء الطعام وإيقاد الشموع للدجري وهو “جن النيل” حتى هذا اليوم، وهم يمارسون طقوسهم تلك بصورة مبالغ فيها تعكس المقدار الهائل من الإجلال والتهيب والخوف والرجاء، حيث أنهم يعتقدون أن “الدجري” مخلوقات خيرة تقي من الأمراض والعلل، وهي تحرس الأطفال من أن يغرقوا في مياه النيل، وهي في اعتقادهم تشفي العقم وتقي منه، وبالمقابل يقوم النوبيون بإلقاء الطعام لها بصورة ثابتة ودائمة.
وفي الزواج والإنجاب وختان الأولاد وغير ذلك الكثير يتوجه النوبيون إلى النيل وهم يحملون معهم الثريد، ولربما يذبحون الذبائح لهذا الغرض، ويقومون بوضع الطعام في شيء يشبه الزورق مصنوع من سعف النخيل، مع القليل من الزيت، وفتيل من القطن المشتعل، ويتركون هذا كله على سطح الماء وسط الأغاني والاحتفالات، ولربما قذف بعضهم الطعام قذفاً في الماء أو رمى بالعطور والحناء.
كما أنهم يأخذون القليل من ماء النيل ليمسحوا جسد الصبي تبركا، وكذا المرأة العقيم، إذ إنها طقوس تجمع بين الرؤية الوثنية وعبادة الجن والتعميد بالماء مع خلط ذلك كله بلمسة من الأدعية الإسلامية، ليخرج مزيج غريب من المعتقدات غير السوية.
معتقدات وخرافات اليمنيين حول الجن:
في بلاد اليمن إذ تنتشر تلك المعتقدات والخرافات الضالة في بعض الأمكنة، بينما تقل أو تكاد تنعدم في أمكنة أخرى تبعًا لزيادة أونقصان الوعي الديني عند الناس، يقول أحد اليمنيين إن الصيادين في بداية موسم الصيد يحرصون على أن يكون صيدهم وفيرًا وموسمهم عامرًا؛ لذلك كانوا يلجؤون إلى الممارسات الخرافية، فكانوا يأتون بكبش أسود اللون، يدفعونه إلى البحر حتى يتخبط في شباكهم، ثم يذبحونه من قفاه، ويقطعونه قطعاً صغيرة يلقونه في المناطق التي يصطادون فيها.
حيث أنهم بذلك يدّعون أن هذا يرضي الجن في البحر، فيأذنون أن يخرج الصيد وفيرًا، وذكر كذلك أن المزراعون قبل البذر يأتون بكبش يذبحونه ثم يأخذون أمعاءها ويدفنونها في وسط الحقل، يظنون أن الجن سترضى بذلك، وأن السنابل ستكون حبلى بالحبوب مكتظة بالخير، وهذه عادة وثنية ذات جذور قديمة، فقد كان الإنسان القديم يقدم الفديات للآلهة الخاصة بالإخصاب وخدمة الأرض.
معتقدات وخرافات السودانيين حول الجن:
أما في السودان الذي يزخر بالطرق الصوفية التي تعشش في زواياها الخرافات والمعتقدات الخاطئة وكذلك الجهل، فتشيع بينهم عادات وخرافات غريبة، نذكر منها تلك التي تتعلق بمعالجة المجنون إذ يعتقد مشعوذوهم أن الجنون يقع بسبب الجن، وبناء على ذلك يقومون بربط المجنون وتقييده وعزله في مكان خاص، ثم يضربونه ضربًا مبرحًا، فيصيح المجنون ويستغيث.
لكن كيف له أن ينجو من عِصيّ هؤلاء وجهلهم، ثم يفرضون عليه أيضًا نوعًا معينًا من الطعام يتناوله ليس فيه دهن ولا دسم، حيث يزعمون أنها تهيج الجن وتمنع شفاء المجنون، ومن طرق هؤلاء المشعوذين في علاج المجنون كتابة بعض الطلاسم والحروف غير المفهومة في أوراق صغيرة، ثم يقومون بحرقها ليبخر بدخانها المريض، ويُطلق على هذه العملية “البَخَرة”.
معتقدات خرافات اليابانيين حول الجن:
اليابانيون الذين بلغوا أعلى قمم التكنولوجيا والتطور، وهم قد تسنموا هرم التقنية والحداثة، غير أن عقولهم تتجمد وتتحنط حين يتعاملون مع إرثهم الثقافي، فنجد الياباني صانع الكمبيوتر ومهندس الإلكترونيات، لا يحاول أن يُعمِل عقله نقدًا وتمحيصًا في هذا الإرث الثقافي الذي يعج بالخرافات والخزعبلات، بل يسلم له تسليم مستسلم لصحته وصدقه، اعتمادًا على حسن ظنه بآبائه وأجداده، وافتخارًا بما كانوا عليه، ومن معتقدات اليابانيين في الجن أنهم يظنون أن الجن يحضرون زفاف العروسين؛ لذلك وخوفًا من شرهم يقومون بنثر الأرز والفواكه والتمر والنقود، من أجل دفع شر هذه الأرواح الشريرة عن العروسين.
معتقدات خرافات سكان أمريكا الوسطى في الجن:
في أمريكا الوسطى حيث يحلّ هناك التخلف رفيقًا للجهل، نجد الخرافات تحتلّ مكانًا ومتسعًا لها في ذلك الفضاء الذي يضج بأسباب كثيرة لانتشارها، حيث يعتقد السكان الأصليون لأمريكا الوسطى أن الخصوبة التي تصيب أرضهم ترجع إلى أرواح كامنة فيها، فينتهزون فرصة موسم الحصاد لإقامة حفل جماعي تقدم فيه الأضاحي والقرابين، وتقام فيه الصلوات والابتهالات استرضاءً وشكرًا على ما قدمت الأرواح للجماعة من نعمة الحصاد.
تلك كانت بعضًا من معتقدات وخرافات بعض شعوب العالم وغيرها حول الجن، ولو قمنا بتتبع هذه المعتقدات والخرافات عند أغلب الشعوب، لتطلب الأمر تأليف المجلدات والكتب، تُرى هل تكفي هذه العينة لتنبيه أهل الإصلاح لعلاج هذه الظاهرة والتصدي لها، حيث تم ذكر معتقدات الشعوب في أنحاء مختلفة على هذه البسيطة، حتى لا يتوهم أحد بأن التخلف والخرافة إنما هي صفة لصيقة بشعب دون آخر، ولنخرج بقضية غاية في الأهمية وهي أن الجهل هو عدو البشرية الأول، وحيث غاب العلم الصحيح ظهرت الخرافة والدجل.