الوضع العلمي والديني لبلاد نجد

اقرأ في هذا المقال


الوضع العلمي لبلاد نجد:

يدخل في إطار الحديث عن الحالة العلمية والدينية أمور أهمها العلم والعلماء، والانتماء المذهبي الفقهي للسكان والقضاء، ثم العقيدة وأركان الإسلام، ومن الواضح إنّ التعليم في نجد كان على مجال قليل جداً، فقد كان غير موجوداً لدى جزءً كبير من السكان وهم البادية، وكان قليلاً لدى القسم الآخر من المجتمع النجدي وهم الحاضرة.

وكانت لصعوبة الحياة الاقتصادية بالشكل العام وانشغال أكثر الناس بالبحث عن لقمة العيش، وعدم وجود من يتمكن التعليم بسبب قلة المال، من الأمور التي حالت بين معظم السكان وبين السبيل إلى المعرفة، ومع ذلك فقد وجدت محاولات للتعلم والتعليم حسب الإمكانات المتوافرة. ويبدو أنّ العامل الديني كان له أثر إقبال بعض أرباب الأسر القادرة مالياً على تعليم أبنائهم قراءة القرآن الكريم أو أجزاء منه على الأقل.

كذلك كان العامل الديني أثر يدفع القادرين علمياً إلى بذل ما في وسعهم لتعليم غيرهم ما يعرفونه من علوم الشريعة ومبادئ الإسلام، وكان من المؤكد وجود علماء قبل القرن 10 هجري، ولعل من أهم الأدلة على ذلك الوثائق الشرعية التي كتبها علماء من هذه المنطقة في تلك الفترة.

ويرى من يقوم بالبحث في تراجم علماء نجد أنّ أكثر من نصف العلماء قد ولدوا في بلدة أشيقر وتلقوا تعليمهم فيها، وإنّ بعضاً ممّن لم يولدوا فيها قد وفدوا إليها ليتلقوا العلم عن علمائها ويلاحظ أيضاً إنّ أكثر من نصف العلماء النجديين في تلك الفترة ينتمون إلى آل وهبة من تميم، وإنّ ما يقدر بنصف هؤلاء ينتمون إلى فرع واحد من آل وهبة، وهو آل مشرف أسرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهذا يدل على أنّ بلدة أشيقر كانت تعد مركزاً علمياً في نجد، وأن آل وهية بالشكل العام  وآل مشرف بالشكل الخاص، قد احتلوا مركز الصدارة العلمية في المنطقة في تلك الفترة.

ومن الأمور التي يتم ملاحظتها في تلك الفترة أنّ عدد علماء القرن الحادي عشر الهجري يقدر بضعف عدد علماء القرن الذي كان قبله، وإنّ عدد علماء النصف الأول من القرن الثاني عشر يقرب من مجموع عدد علماء القرن الحادي عشر كله، وذلك دليل على أنّ الحركة العلمية في نجد كانت في تقدم وتطور مستمر، وكذلك يلاحظ أنّ عدد المسافرين من طلاب العلم النجديين إلى الدول الأخرى بقصد التعلم على أيدي علمائها قل بالشكل التدريجي.

أهم أسباب زيادة عدد علماء نجد:

ومن أهم أسباب ذلك هو ازدياد عدد العلماء النجديين المتمكنين من معرفة العلوم الشرعية والذين يمتلكون الكفاءة والخبرة الكافية في ذلك الأمر، ممّا أتاح الفرصة لأولئك الطلاب بأن يتعلموا ما يريدون معرفته داخل وطنهم، وكان أبرز علماء تلك الفترة سليمان بن علي جد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن إسماعيل وعبد الله بن هلان.

المذهب الحنبلي في نجد:

إنّ المذهب الحنبلي كان متواجداً في نجد منذ تلك الفترة، ثمَّ أصبح بعد ذلك المذهب السائد في المنطقة، وفي ذلك دليل على أنّ أغلب علماء نجد الذين ظهروا قبل الشيخ محمد بن عبد الوهاب كانوا حنابلة، بل كان من النادر وجود عالم غير حبلي  في تلك الفترة، فإنّ الطريقة التي دخل بها المذهب الحنبلي إلى نجد ليست واضحة بالشكل المطلوب، لأن هذه المنطقة كانت من الأماكن التي قدم إليها بعض علماء الحنابلة، الذين لم تناسبهم ظروف الحياة العامة في العواصم الإسلامية الكبرى، فوضعوا بداية المذهب الحنبلي فيها.

ومن المتوقع إنّ أحد النجديين أو مجموعة منهم قد درس على يد عالم حنبلي في خارج نجد، ثم بدأ يدرس هذا المذهب بعد عودته إلى وطنه، فقد وجد المذهب الحنبلي من نجد الأرض المناسبة للانتشار؛ وذلك لأنَّه من أقرب المذاهب إلى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة.

لقد كان الأساس الذي تتركز عليه دراسة علماء نجد في تلك الفترة هو مادة الفقه؛ و بخاصة المذهب الحنبلي، أمّا العلوم الشرعية الأخرى فكانت ذات أقلية من حيث الاستخدام عن غيرها، وكان من أهم ما تؤهل له الدراسة تولي القضاء، بحيث كان إتقان الفقه بالشكل الكافي ليتناسب مع ذلك التأهيل.

القضاة النجديين:

ومن الواضح أنّه قد وجد اكتفاء ذاتي من القضاة النجديين في منطقتهم، فكانت مرتباتهم غير نقدية في تلك الفترة، فإنّ مصادر دخلهم كانت متنوعة، فقد كانت هناك بعض الأوقاف المحلية التي تذهب منفعتها أو جزء منها للقاضي، وكان بعض القضاة يتعاطون التجارة أو الزراعة بطريقة من الطرق، وكان من بينهم من يأخذ أجوراً من المتخاصمين مقابل الفصل بينهم بالنزاع، ويبدو أنّ دخل القضاة كان بصفة عامة كافياً لإعاشتهم بالشكل المعتدل، كما كان كافياً لإتاحة الفرصة أمام أبنائهم للدراسة.

إنّ الكثير من القضاة النجديين في تلك الفترة يتمتعون بالعدل والمساواة وحب الخير؛ لذلك كسبوا احترام المجتمع لهم احترماً شديداً، ولكن جزء قليل من القضاة لم يتمتعوا بما تمتع به معظم القضاة من صفات، أمّا بادية نجد فلم يكن لهم قضاة شرعيون، وإنما كانوا يتحاكمون الى العرف والتقاليد الخاصة بقبائلهم.

الوضع الديني لبلاد نجد:

إنّ من يقوم بالبحث في التاريخ الإسلامي العام يرى بأنّ كثير من البدع في الدين قد انتشرت بين فئات من المسلمين عبر العصور المختلفة، كما يرى بأنّ كثير من الخرافات قد دخلت إلى عقائد بعض الناس وبخاصة الجهال منهم، ومن أمثلة الأمور المخالفة لتعاليم الدين الإسلامي بناء القباب على قبور من تمنح فيهم الولاية، وجعل تلك القبور أماكن للعبادة، وكذلك تقديس الأموات وسؤالهم الشفاعة عند الله، ومن بين الجهال من اعتقد أن الأولياء ينفعون ويضرون وكان النصف الأول من القرن الثاني عشر الهجري من أسوأ الفترات التي مرَّ بها المسلمون بالنسبة لتلك الأمور.

فقد نشر إلى وصف الحالة التي كان عليها النجديون من حيث العقيدة التي يقوموا عليها ولقيامهم بأركان الإسلام، فالمصادر التي تشير لدعوة الشيخ حمد بن عبد الوهاب الإصلاحية تعطي صورة واضحة لتلك الحالة؛ إذ يصدر ابن غنام حكماً عاماً على أهل نجد بأنهم كانوا يأتون كل يمارسون الشرك.

ويقول ابن بشر: إنّ الشرك بكلا نوعية الكبير والصغير قد نشأ في نجد، ثم يضرب أمثلة لما كان متواجداً من ذلك الشرك. ويسمّي ابن غنام تلك الفترة بالجاهلية، وقد أشار الشيخ محمد بن عبد الوهاب نفسه إلى إنّ كثير من بوادي نجد كانوا جاهلين بالإسلام، وأنّهم كانوا لا يمارسون أركانه من صلاةوزكاةوصيام، بل إنّ مجموعة من هؤلاء كانوا لا يؤمنون بالبعث بعد الموت.


شارك المقالة: