اقرأ في هذا المقال
- الحركات الاجتماعية في علم الاجتماع السياسي
- سمات الحركات الاجتماعية الجديدة في علم الاجتماع السياسي
- أنواع الحركات الاجتماعية في علم الاجتماع السياسي
كان للحركات الاجتماعية دور بالغ الأهمية في علم الاجتماع السياسي المعاصر، فقد كان لتلك الحركات الاجتماعية نفوذ مباشر، أولاً في تطور علم الاجتماع السياسي المعاصر، ويمكت أن نعزو تلك المكانة المركزية للحركات الاجتماعية في فهم الأشكال والصيغ الجديدة للسياسة، إلى الطريقة التي وضعت في إطارها تلك الحركات في جدول الأبحاث من قبل أولئك المؤيدين أو القائمين بشكل نشط في تلك السياسات.
الحركات الاجتماعية في علم الاجتماع السياسي
ففي فترة السبعينات من القرن الماضي بشكل خاص، سعى أولئك المؤيدون لتلك الحركات الاجتماعية إلى جعل أبعاد عدم المساواة والإقصاء الاجتماعي أكثر أهمية من مجرد فروق طبقية لها مغزاها ونتائجها، وبالمثل فإن هناك ارتباطاً قوياً بين ما أطلق عليه سياسة الهوية عند الحركات الاجتماعية في الآونة الأخيرة وبين نوعية الجدال الذي جرى في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين بشأن كيفية تكوين وفهم الهوية.
ثم إن السنوات الأولى من الألفية الثالثة جلبت معها أيضاً الإشكاليات التي أثارتها الحركات الاجتماعية بشأن قضايا العدالة في بلدان العالم بأجمعها بحيث احتلت قضايا العدالة العالمية حيزاً ضخماً وبارزاً في أدبيات علم الاجتماع السياسي المعاصر، ثانيا إن فهم وتفسير أعضاء الحركات الاجتماعية لطبيعة الحياة الاجتماعية بصراعاتها كان له تأثيره البالغ، فقد قاموا بتصوير المجتمع على أنه قائم بالضرورة على علاقات يشوبها الصراع والخلافات، ومن ثم فلا مناص من الناحية العملية حسب رؤيتهم من حدوث صراعات بالمجتمع.
إلا أن تلك التفسيرات التي تحدثت عن الصراعات المجتمعية كحتمية لا مناص منها أصبح ينظر إليها على أنها ضالعة في جريمة الدعوة إلى قبول الأمر الواقع؛ ﻷنها ترى أنه لا مخرج من الصراع الطبقي بالمجتمع، ومن هنا فقد ذلك التفسير المرتبط بحتمية الصراع في الفكر الماركسي مصداقيته.
كما أن الماركسية أيضاً لم تتمتع بالحساسية الكافية بحيث تتوقع احتمالات حدوث تغيير جوهري يمكن أن يأتي من المستوى السياسي الأدنى في المجتمع أي على المستوى الشعبي الأدنى، ثالثاً لقد تسببت الحركات الاجتماعية في تعقيد رؤيتنا تجاه النماذج القديمة للمجتمع جراء نظرتها إلى السياسة في المجتمع على أنها لا يمكن تنظيمها إلا من خلال إطار الدولة القومية أو الدولة كأمة.
السياسي المعاصر مستغرقة في صراعات تتعلق بتعريف ما تعنيه بمفرداتها وتعريف المعاني والدلالات التي يتحدثون عنها، وكيف أن ذلك أدى إلى ضلوعهم في محاولات التحدث والتأثير على مؤسسات تشكيل الثقافة السياسية في المجتمعات فهي التي تشكل وتؤثر على ثقافته وسلوكياته وهذا هو السبب الذي يفسر التركيز الشديد لتلك الحركات الاجتماعية على الجوانب الثقافية للسياسة عند تناولها لقضايا المجتمع واهتماماته والتغييرات الاجتماعية التي ترتبط بذلك.
كل ذلك أدى إلى أن تصبح تلك الحركات الاجتماعية مصدراً بالغ الأهمية في أبحاث علم الاجتماع إذ اتخذت لنفسها اسماً جديداً اشتهرت وتسترت به وهو الحركات الاجتماعية الجديدة، ويبدو أن اختيار كلمة جديدة لوصف مسمى تلك الحركات الاجتماعية يوحي بطريقة النشوء أو البروز الجديد والمفاجئ للحركات الاجتماعية الجديدة على مسرح الأحداث الاجتماعية في الستينات من القرن العشرين التي اشترك فيها آنذاك حركة الحقوق المدنية والحركة الطلابية في ذلك الوقت، والحركات النسائية التحررية، وحركة التحرر من جانب الشواذ والمثليين، وحركة حماية البيئة.
سمات الحركات الاجتماعية الجديدة في علم الاجتماع السياسي
كما كان لاختيار لفظ جديد أو جديدة لوصف تلك الحركات الاجتماعية مبرر آخر بالنظر إلى النوعية الجديدة في اتجاهاتهم وتنظيماتهم والأسلوب الذي انتهجوه مقارنة بالاتجاه السابق لها الذي اتبعته حركة العمال القديمة فقد تميزت الحركات الاجتماعية الجديدة عن حركة العمال القديمة بالسمات الآتية:
1- إنها لم تعد أداة في يد الغير لاستغلالها أو استخدامها، إذ إنها كانت تحمل وتعبر عن اهتمامات ومشاكل ذات طبيعة عالمية، كما أنها عبّرت عن اعتراضاتها وتظاهرت باسم الضمير والأخلاقية بعيداً عن التعبير أو الدفاع عن المصالح المباشر لجماعات اجتماعية محدودة أو معينة.
2- أنها كانت موجهة أكثر تجاه المجتمع المدني بدلاً من الدولة ﻷن أسلوبها اتسم بالريبة تجاه مؤسسات الدولة والهياكل البيروقراطية المركزية، كما أن الرؤى الخاصة بها كانت موجهة لتغيير وجهات النظر لدى العامة بدلاً من مؤسسات الصفوة.
3- اهتم أكثر بنواحي الثقافة وأنماط الحياة، كما دأبت على المشاركة في سياسة رمزية للتظاهر والاعتراض بدلاً من المطالبة بالحقوق الاجتماعية الاقتصادية.
4- اتسمت طريقة تنظيمها بالتحرر والمرونة والابتعاد عن الرسميات على الأقل في بعض النواحي، كما تجنبت الخضوع لمنهجية اتباع الترتيب الهرمي، والبيروقراطية، بل لم يعد مؤهلاً للأعضاء ولم تحظى باهتماماً خاصاً.
وعند مقارنة الحركات الاجتماعية الجديدة بالحركات العمالية القديمة يتضح لنا أن الحركة العمالية القديمة وجهت جل اهتمامها تجاه الدولة الشركاتية، أي الدولة التي تركز على مصالح الشركات، ولم يكن التركيز يهدف إلى إعادة التوزيع الاقتصادي والتوسع في تحسين حقوق المواطنة، لذا جرى تنظيم الأمور من خلال اتحادات وأحزاب تجارية بيروقراطية تراعي وتدافع عن مصالح الأعضاء، وتظهر اهتماماً ضئيلاً بالأمور ذات التأثير الأكبر على رفاهية وصالح المجتمع أو المساهمة في إصلاحات سياسية تشمل كل أطياف المجتمع.
أنواع الحركات الاجتماعية في علم الاجتماع السياسي
ومما لا يثير الدهشة كثيراً، ربما أن هذه المفارقة الحادة التي تبسّط الأمر بين القديم والجديد لا يمكن أن يكتب لها البقاء والدوام إذا ما نظرنا إليها عن كثب، ففي واقع الأمر لقد كانت هناك تعددية ﻷنواع مختلفة من الحركات الاجتماعية لفترة طويلة، فكما أوضح كريج كالهون كانت توجد العديد من الحركات في أوائل القرن التاسع عشر تضمنت الحركة النسائية، والحركات الوطنية والدينية.
وحتى بعض الشواهد لحركات طبقية مثل حركة التجمع المثالي اليوطوبية لروبرت أوين التي كانت أقل شبهاً، بالحركات العمالية المعروفة تقليدياً لتشابهها أكثر مع الحركات الاجتماعية الجديدة، ومع اهتمامها الشديد بنمط الحياة وسياسة الهوية، فعادة ما جرى تنظيمها بطرق غير هرمية بهدف أن تقدم صورة مسبقة للترتيب الاجتماعي الذي تدعو وتهدف إليه، كما جرى استخدام وسائل غير تقليدية، مثل اللجوء للعمل الباشر بدلاً من العمل من خلال مؤسسات الدولة السياسية المعتادة.
ويرى عالم الاجتماع كريج كالهون أنه قد جرى تجاهلها من قبل علماء الاجتماع بسبب التحيز العقلاني وآلية العمل التي كان ينتهجها علم الاجتماع نفسه، رغم ذلك فعندما جرى إضفاء الطابع المؤسسي على الحركة العمالية في أواخر القرن التاسع عشر مع التوسع في حق الاقتراع، تغيرت النظرة إليها فأصبح ينظر إليها على أنها الحركة الاجتماعية التي تضطلع بتقدم التصنيع والتغير الاجتماعي التقدمي، كما جرى تجاهل لحركات أخرى الحياة والمعايير الجمالية للحكم على التنظيمات الشخصية والاجتماعية، جرى تجاهلها باعتبار أنها لا علاقة لها بالتقدم العقلاني والمادي.