الحياة السياسية لرستم باشا؟

اقرأ في هذا المقال


متى أصبح رستم باشا صدر أعظم؟

في البداية كان رستم باشا يشغل منصب باي سنجق، بعد وفاة البرغلي ابراهيم باشا، أصبح طريقه سهل جدًا للوصول إلى منصب الصدر الأعظم، تمت ترقيته إلى بيكلر بيك (Baylerbey)، وهو منصب في الدولة العثمانيّة يعني بيك البكوات أو سيد السادة في ديار بكر، عندما تزوج مهرمة سلطان، كان رستم وزيرًا بالفعل. جعل السلطان سليمان القانوني رستم الوزير الأعظم لأول مرة في عام (1544). ولكن في عام (1553)، تمّ فصل رستم من منصبه، بعد عامين تولى هذا المنصب مرة أخرى من عام (1555) حتى وفاته عام (1561).

النشاط السياسي للوزير رستم باشا:

كدبلوماسي بدأ رستم باشا العديد من الاتفاقيات التجاريّة مع الدول الأوروبيّة والهند. كان أكبر نجاح له في المجال الدبلوماسي هو الاتفاق مع الملك فرديناند الأول والإمبراطور تشارلز الخامس، والتي تمت دون إطلاق رصاصة واحدة بين الدولتين، في المنطقع الواقعة على الحدود الغربيّة للإمبراطوريّة العثمانيّة، والتي استمرت لأكثر من 14 عامًا (تمّ التوقيع عليها عام 1547).
ضمن هذه الاتفاقيّة، تخلّى فرديناند عن مطالبته بمملكة المجر، ووافق على دفع ضريبة قدرها (30) ألف دوكات من الذهب سنويًا إلى الخزينة العثمانيّة. كتب سفير الإمبراطور (Ogier Ghiselin de Busbecq) أنّ تشارلز حاول في عدة مناسبات مراجعة الاتفاقيّة غير المواتية لمصالحهم، لكن رستم باشا كان يمنع ذلك دائمًا. عمل رستم باشا أيضًا على الاتفاقيّة مع الصفويين (الموقعة عام 1554) ، والتي أنهت الحروب الصفويّة العثمانيّة طويلة الأمد، وتأمين الحدود الشرقيّة للإمبراطوريّة العثمانيّة.

تمّ التلاعب بالسلطان سليمان القانوني من خلال مكائد السلطانة خرم عندما تمّ قتل إبراهيم باشا واستبداله بصهره رستم باشا، لم يكُن رستم صهر السلطان سليمان عندما أُعدم إبراهيم باشا. كانت خلفية إعدام إبراهيم أكثر تعقيدًا (على سبيل المثال ، استخدم ختم “سلطان إبراهيم”، واحتفظ بمعظم الممتلكات المصادرة “لوزير المالية” إسكندر جلبي، الذي أمر بإعدامه). تمّ استبدال إبراهيم بإياس محمد باشا، وتلاه لطفي باشا وحادم سليمان باشا. تطورت مهنة رستم باشا، على عكس إبراهيم باشا، تمامًا وفقًا للقواعد. أصبح الوزير الأعظم بعد ثماني سنوات من وفاة إبراهيم باشا.

تآمر رستم باشا والسلطانة خرم ضد الأمير مصطفى:

في وقت لاحق تآمرت السلطانة خرم ورستم باشا ضد شهزاد مصطفى لسنوات عديدة. وكان الأمير مصطفى الطموح للغاية، قد استقبل السفراء الأجانب والقادة العثمانيين مرات عديدة دون علم والده، وكانوا قد اعتبرو ذلك أنّه حليفًا مهمًا ضد والده السلطان سليمان.
لذلك أبلغ السفير النمساوي غيسلان دي بوسبيك (الذي كان يزور الأمير مصطفى قبل السلطان سليمان) حاكمه: “سيكون مصطفى سلطانًا مُمتازًا ومُتقبلًا ومُنفتحًا على المحادثات”. وقال السفير البابوي نافاجيرو: “يعيش مصطفى مع والدته. تقول إنّ الناس يعشقونه”. وفهمًا لخطورة الموقف، تذكر السلطان سليمان والده السلطان سليم الذي خلع عن جده السلطان بايزيد (الذي قُتل بعد شهر واحد فقط من تنازله عن العرش عام 1512).
نصح الضباط الموالون له بأنّ قسمًا من الجيش يستعد لوضع مصطفى على العرش. في عام 1552، أثناء التحضير لحملة ضد بلاد فارس، عيّن السلطان سليمان رستم “سراسكر” (القائد العام) للحملة. لكن الجنود الذين تجمعوا في المعسكر العسكري في كرمان (الأناضول)، رفضوا تعيين السلطان سليمان، وأصّروا على ضرورة استبدال رستم بمصطفى (نفس المشكلة واجهها شقيق رستم سنان باشا، بصفته أميرال الأسطول العثماني أثناء حصار طرابلس، على الرغم من ذلك. حقق انتصارات كثيرة حتى وفاته عام 1553).

استمرت زعزعة الاستقرار داخل الدولة العثمانيّة. ربما لم تكن مراسلات مصطفى التي يُستشهد بها كثيرًا مع الصفويين الموقعة باسم “السلطان مصطفى” (المحفوظة حاليًا في الأرشيف)، في هذا السياق، غير ذات صلة. يُمكن أنّ يكون أصيلًا، قد يكون خداعًا للصفويين أو حريم رستم، أو ربما حماية السلطان سليمان لتهدئة الرأي العام بعد وفاة مصطفى.
هناك إصدارات مختلفة من التقارير عن نهاية مصطفى في وادي إيريغلي. وبحسب أحدهم، قدم رستم باشا عرضًا لمصطفى للانضمام إلى جيش والده وفي نفس الوقت حذّر السلطان سليمان من أنّ مصطفى قادم لقتله. وبحسب رواية أُخرى، فإنّ السلطان سليمان نفسه هو من استدعى ابنه لإيرغلي، وجاء الأمير مصطفى ملبيًا دعوة والده.

لماذا تم عزل رستم باشا من منصب الصدارة؟

إنّ اعتبار رستم باشا كبش فداء بصفته الشخصيّة المُهيّمنة على ما يبدو في “المؤامرة ضد مصطفى” قد غير الرأي العام بشكل جذري. وهكذا تمّ نسيان رستم باشا الذي أُشيد به منذ سنوات بأنّه “عمود الإمبراطورية العثمانية”، رجل اقتصاد لامع ورجل دولة متطور، وكذلك مشاريعه العظيمة ومؤسساته الخيرية، بعد إعدام الأمير مصطفى ثار الأنكشاريون في الأناضول، ومن أجل تهدئة الأوضاع قام السلطان سليمان بعزل رستم باشا، وعيّن مكانه قرة أحمد باشا، وبعد فترة من الزمن أعدم السلطان سليمان القانوني قرة أحمد باشا بتهمة تلقي الرشاوي. وأعاد رستم باشا صدرًا أعظم مرة أُخرى.
أصبح رستم “القلب الأسود، قاتل الأمير مصطفى المحبوب”. لم يكُن هناك ما يكفي لجعله قذرًا، بعض السفراء الأجانب مثل (Ghiselin de Busbecq) أو (Bernardo Navagero)، كرّروا ذلك بشكل حاقد في تقاريرهم (خاصة أنّ رستم باشا كان كدبلوماسي مُعارضًا لا يقهر، يجب ألاّ تُنسى اتفاقية عام 1547).
على العكس، كتب جان شيسنو، سكرتير السفير الفرنسي، عنه: “الوزير الأعظم رجل متواضع الأصل، بفضل موهبته وإرادته، شقّ طريقه من لا شيء. إنّه رفيق مقبول، وطريقة ثاقبة في التفكير والأخلاق السمحة. أثناء المفاوضات، كان هادئًا ونزيهًا، على الرغم من أنّه يصمّم على وجهات نظره “.

إنّ رثاء (Taşlıcalı) يحيى بك، وتقارير السفراء والملفات الإداريّة ومواثيق التأسيس، وبعض الوثائق الخاصة مثل نداء السلطانة خرم (Hurrem) والسلطانة مهرمة (Mihrimah) للسلطان سليمان عندما تمّ طرد رستم باشا (Rüstem) إلى أوسكودار، هي المصادر الزمنيّة الوحيدة التي أبلغت عن حياة رستم. كما أنها كانت أساس عمل إبراهيم بيتشيفي (Tārīḫ-i Peçevī) الذي يُستشهد به كثيرًا، والذي نُشر بعد (80) عامًا من وفاة رستم باشا.


شارك المقالة: