الخرافات أسرع انتشارًا من الأوبئة

اقرأ في هذا المقال


عند ظهور مرض غير معروف فإن أول رد فعل غالبًا ما يكون الجزع والخوف، وردّ الفعل التالي فهو على الأغلب سيكون البحث عن المذنب الذي سيلعن ويتهم ويُحمّل المسؤولية، كما أن الأوبئة والأمراض إنما تُنتج من الشائعات والخرافات ونظريات المؤامرة.

الخرافة أسرع عدوى من الوباء:

تقول إحدى الباحثات “ساندرا سامبل”: “إن صراع البشرية مع الأوبئة في القرن العشرين لم يرتبط بظهور أمراض غير معروفة فقط، بل أنه شمل أيضا ظهور تطورات جديدة وغريبة لأمراض قديمة، وارتبط ظهور الأوبئة بنشوء خرافات جديدة أو لإحياء معتقدات لا أصل لها من الصحة، فعلى سبيل المثال إن شلل الأطفال، الذي كان ينحصر سابقًا في إصابات محدودة وقابلة للاحتواء، قد انتشر في عام 1916 في نيويورك؛ فأدى إلى وفاة أكثر من ستة آلاف شخص في الولايات المتحدة.
على الرغم أن العلوم الطبية حققت منذ أواخر القرن التاسع عشر تقدمًا خارقًا، غير أن الخرافات والمعتقدات الشعبية الخاطئة تُعد أسرع انتشارًا من الجراثيم والبكتيريات والعوامل الحاملة للأمراض الوبائية، والتي أثبتت أنها أشد من الإنسان قوة وأوسع منه حيلة، وأنها أعصى على التوقع والتتبع مما كان يتخيله الأستاذ في السبعينيات.
إن المعتقدات والخرافات المتوغلة في نفوس البعض ويعتنقونها دينًا يُتبع، إذ ما أن يظهر مرض غير معروف، فإن رد الفعل أعلى الأغلب هو الفزع والخوف، ثم البحث عن “مذنب” يحمل مسؤولية هذا الوباء الطارئ، واللجوء إلى الموروث لعلهم يجدون فيه الحل لما طرأ عليهم، وهنا تكون البيئة خصبة لتكاثر الخرافات، وانتشارها حتى أنها أسرع من النار في الهشيم.
في كتاب: “أطلس المرض: خريطة الأوبئة الفتاكة والعدوى من الطاعون إلى فيروس زيكا” تروي ساندرا سامبل هذه القصة لتؤكد على مدى اتساع المسافة بين تنبؤات وخرافات الماضي الخاطئة وحقائق الحاضر المحبطة؛ وذلك أن الذي سيحصل بعد مرور ما يقارب خمسين سنة، هو أن البشرية لم تنجح في استئصال إلا مرض واحد، هو الجدري، وفي الأثناء ظهرت جراثيم وبكتيريات وأمراض جديدة قادرة على الانتقال من الحيوان إلى الإنسان، أو على كسر حدود حاضناتها الطبيعية المعهودة في المناطق المنعزلة للخروج والانتشار في العالم كله، ومع هذا كله يبدو الإنسان رغم تحضره والتقدم العلمي الذي وصل إليه، إلا أنه لا يزال يدور في بوتقة موروثاته ومعتقداته الخاطئة إذا ما حلت به مصيبة، أو طرأت الأوبئة والأمراض.



شارك المقالة: