الخطوط العامة للمسؤولية الاجتماعية كاتجاه للمشروعات الصناعية

اقرأ في هذا المقال


الخطوط العامة للمسؤولية الاجتماعية كاتجاه للمشروعات الصناعية:

1- أن المسؤولية الاجتماعية ذات مفهوم شامل وتتحملها المشروعات الصناعية جميعها مهما كان حجمها، ﻷنها لا تنطلق من مفهوم القوة الاقتصادية لهذه المشروعات، وإنما من مكانة كل مشروع منها كفرع اعتباري داخل المجتمع، وبالتالي فهي لا تتيح لهذه المشروعات اتصالاً فعالاً بجماهيرها فقط، ولكنها توفر لها التفاعل الإيجابي معها.

2- أن أساس الشمول الذي تتصف به المسؤولية الاجتماعية راجع إلى أن الظروف والمتغيرات الاجتماعية لها تأثيراتها على كل مشروع صناعي إلى جانب ما يؤثر عليه من ظروف السوق، وهذه التأثيرات أكبر مما يزاوله هو من تأثيرات على هذه الظروف الاجتماعية أو يساهم به في صنع متغيراتها، فهي أفراد اعتبارية في المجتمع وينطبق عليها كل ما ينطبق على الأفراد العاديين من تغيرات وتأثيرات.

3- تستهدف المسؤولية الاجتماعية خلق إطار فكري اجتماعي لكل مشروع صناعي، تشكل داخله نظمه الإدارية وأساليبه وأهدافه ووظائفه وتنظيماته، وبالتالي ينعكس على كل ممثلي المشروع وعلى كل ما يصدر منهم أو يتصل بهم وعلى علاقاتهم بالجماهير التي ترتبط مصالحها بالمشروع، وهذا يعني أن المسؤولية الاجتماعية بهذا الإطار الفكري الاجتماعي تشكل شخصية الإدارة ومشروعها، وليست مجرد وظائف جديدة تضاف إلى وظائفها الأساسية.

4- التنظيم على مستوى المجتمع كله مطلوب ومن ثم فإن التدخل الحكومي ضروري وحتمي، وإذا كان هذا التدخل الحكومي أمر مشروع ومعترف به في المجتمعات الاشتراكية، فإن هذا التدخل الحكومي لم يعد يقابل بحساسية شديدة كما كان في الماضي داخل المجتمعات الرأسمالية.

5- المنافسة بين المشروعات الصناعية طبيعية ومشروعة، ولكن ينبغي على المشروعات الصناعية أن تمارسها بالتزام أدبي داخل إطار ما يسمح به ضميرها الاجتماعي، وعلى ذلك فإن الممارسات غير المشروعة والاتفاقات غير الأخلاقية لن يكون لها مكان في حلبة المنافسة هنا، ومعنى ذلك أنها ستكون تنازع اقتصادي شريف لها طبيعة اجتماعية ملزمة.

6- المحافظة على الأرباح المتزايدة بكل ما تضيفه من قوة اقتصادية للمشروعات الصناعية ولمجتمعاتها مشروعة ومطلوبة، ولكن ليست كهدف في حد ذاتها دون أي اعتبارات أخرى، وإنما يمكن أن تكون هدفاً يتحقق داخل اعتبارات المناخ الإنساني والاجتماعي الذي تخلقه المسؤولية الاجتماعية لكل مشروع صناعي.

7- الفرد العامل في نظر المسؤولية الاجتماعية الشاملة إنسان متكامل له حاجاته الأولية والثانوية وله مصالحة الأساسية، التي ينبغي تحقيق التجانس بينها وبين مصالح المشروع داخل إطار من الانتفاعات المشتركة مع بعضهما والتي على أساسها تتحد سياسات المشروع وإجراءاته وعلاقاته ومعاملاته معه.

بالإضافة إلى أنه عضو في جمهور المجتمع المحلي الذي لهم حقوق أخرى ضمن المفهوم الشامل للمسؤولية الاجتماعية، ومصالحهم الأساسية لا تنفصل عن مصالحه، فهم دعامته القوية، وكلما كانوا أكثر أماناً واستقراراً من جميع النواحي المادية والمعنوية، كلما كان نموه وتطوره سليماً، وكلما كان أقدر على أن يمارس دوره في مجتمعه بكفاءة وفعالية.

8- المستهلكون ليسوا إلا جمهوراً نوعياً كأي جمهور نوعي آخر له مصالح مشتركة مع المشروعات الصناعية، وليس لهم مزايا تفوق الجماهير النوعية الأخرى، وتقديم السلع والخدمات لهم من قبل المشروعات الصناعية بضمير اجتماعي يكفل لهم كل حقوقهم ومصالحهم، ثم أن بعضهم جزء من سكان المجتمعات المحلية الذين تتحمل المشروعات الصناعية في مواجهتهم التزامات أخرى داخله في مضمون المسؤولية الاجتماعية كمفهوم شامل، ومن هنا فإن المشروعات الصناعية في إطار مسؤوليتها الاجتماعية تنظر إليهم نظرة متساوية لنظرتها إلى الجماهير النوعية الأخرى وليست على حسابها.

9- كل مشروع صناعي جزء عضوي من المجتمع المحلي الذي ينتمي إليه بصفة خاصة وجزء من المجتمع الكبير بصفة عامة مهما يستمد العناصر الأساسية لحياته وبقائه وقوته، ومن الطبيعي أن يساهم في كل ما يحفظ لهما سلامتهما وقوتهما مادياً ومعنوياً، وهذا الالتزام واجب مقدس ولا يحتمل تبريرات أو تأويلات، وتأدية هذا الواجب يحقق للمشروع ذاته ولمجتمعه المحلي ومجتمعه الكبير نمواً سليماً وآمناً.

10- من الطبيعي أن يترتب على تحمل المشروعات الصناعية لمسؤوليتها بعض التكاليف المادية الإضافية، غير أنه ليس من العدل أن يتحمل المستهلك كل هذه التكاليف على أساس أنه هو المستفيد الأول من نتائجها، وإنما الأصح أن يتحملها بالتساوي كل من المشروعات الصناعية والمستهلكون لسلعها وخدماتها والعاملون فيها والمجتمع كله أيضاً، على أساس أن نتائج المسؤولية الاجتماعية سوف تعود على المشروع الصناعي ذاته بقدر ما تعود على جماهيره النوعية الأخرى، وليكن ذلك على شكل تنظيم جماعي متعاون على مستوى المجتمع كله.

11- إن القيم التي تقوم عليها المسؤولية الاجتماعية الشاملة من مفهوم الشخصية السوية المتوافقة مع غيرها والمتكيفة مع ظروف مجتمعها، وأهمها أن الفرد في المجتمع عليه من الواجبات بمثل ما له من الحقوق ولا يجوز له أن يغلب حقوقه على واجباته لسبب أو لآخر، وأن ارتباط الشخص بغيره من الأشخاص تقوم على الحرية المسؤولة والتعاون والتنازع المؤدب ولأخلاقيات المشروعة التي تراعي مصالح الآخرين بقدر ما تراعي المصالح الشخصية.

وأن التكافل والتضامن الاجتماعي غاية نبيلة يحرص عليه الشخص الذي يعتبر أن سلامة الجماعة التي يتعايش معها وسلامة المجتمع الذي يتكيف معه هما الإطار الصحيح الذي يضمن له سلامة نفسه، وهذه القيم تسوى بين الفرد والمجتمع، فلولا الفرد ما كان المجتمع، ولولا المجتمع ما بقي الفرد، وهي مختلفة تماماً بشكل كامل عن القيم التي تنادي بها الرأسمالية أو الاشتراكية، وخاصة المتطرفة منها.

تلك كانت أهم الخطوط العامة التي تحدد ملامح المسؤولية الاجتماعية كاتجاه أيديولوجي، ولا شك أنها ملامح متميزة لاتجاه أيديولوجي متميز، إن مضمون هذه الملامح جميعها مبادئ أخلاقية اجتماعية لا تعتبر العمل هدفاً في حد ذاته أو خدمة لمصالح ذاتية، ولكنها تعتبره خدمة لمصالح المجموع بقدر ما يخدم مصالح الفرد، وأن الشخص مسؤول عن المجموعة بقدر ما هو مسؤول عن ذاته، سواء كان هذا الشخص عادياً أم اعتبارياً، فالمجتمع كله أسرة واحدة متعاونة ومتكافلة اقتصادياً واجتماعياً، ولكل فرد فيها حقه وعليه واجبه وله مسؤوليته اتجاه الآخرين.

الاختلاف بين المسؤولية الاجتماعية الشاملة والمسؤولية الاجتماعية داخل النمط الاجتماعي:

إن أقصى ما وصل إليه مفهوم المسؤولية الاجتماعية في النمط الاجتماعي ﻷيديولوجية الصناعة أنها أشبه بالجوار الحسن، أي أن كل مشروع صناعي عليه أن يساعد جيرانه من سكان المجتمع المحلي الذي ينتسب إليه، وألا يفعل شيئاً يؤذي أحداً منهم، ولكن المسؤولية الاجتماعية الشاملة هنا كاتجاه أيديولوجي بالنسبة لأي مشروع صناعي أشبه بالعضوية الأسرية السليمة ولا شك أن العلاقات والمعاملات والواجبات والحقوق داخل الأسرة الواحدة أقوى منها بالنسبة للجيرة الحسنة، فالفرد يستطيع أن يؤدي أبسط حقوق الجيرة ولا يكون مقصراً بدرجة كبيرة، أما في الأسرة التي ينتسب إليها فهو مطالب ببذل أقصى ما يستطيع لكي يسعد نفسه وأسرته، وإلا اعتبر في نظر العرف الاجتماعي مقصراً.

وهذا المفهوم ترتب عليه درجات كبيرة من الاختلاف بين المسؤولية الاجتماعية الشاملة هنا والمسؤولية الاجتماعية داخل النمط الاجتماعي لأيديولوجية الصناعة، إن ما يربط أفراد الأسرة الواحدة من قيم وأهداف مشتركة وعلاقات متبادلة وولاء شديد لا يُقارن في قوته بما يربط الجيران.


شارك المقالة: