الخلفية الأيديولوجية للنظرية السوسيولوجية عند تالكوت بارسونز

اقرأ في هذا المقال


الخلفية الأيديولوجيات للنظرية السوسيولوجية عند تالكوت بارسونز:

يشارك بارسونز الفكر الدوركيمي والوضعي في التركيز على التوازن والنظام والأخلاق ولكنه من حيث المبدأ استطاع أن يطور نظرية أكثر دينامية عن التوازن، تعكس لنا بجلاء الخلفية الأيديولوجية أو الفروض الخلفية الموجهة لتصوراته السوسيولوجية.

وقد قام بارسونز منذ وقت مبكر من حياته بالتركيز على دراسة أعمال ورنر وسمبارت وفيبر كما اهتم بكل ما يتعلق بطبيعة النظام الاجتماعي للرأسمالية، وبالنظم السابقة عليها واحتمالات تطوره في المستقل، وكانت الرسالة التي تقدم بها بارسونز للحصول على الدكتوراه تحت اشراف مالينوفكسي في مدرسة لندن للاقتصادي عن هيدلبرج موجهة لدراسة تلك القضية، وقد أظهر اهتماماً واضحاً بالنظرية السوسيولوجية عند فيبر وقام بترجمة دراسته عن أخلاق المحتجين وروح الرأسمالية.

ويؤكد بارسونز أن التقدم والنمو الاجتماعي لا يقوم على أسس تطورية، بمعنى أنه لا يتمثل في تعاقب مجموعة من المراحل الحتمية التي لا بدّ وأن يمر بها كل مجتمع من المجتمعات كما هو الحال عند ماركس وكونت ولكنه يتحقق من خلال ارتباط الناس بالتحقيق النشط للقيم المتجاوزة أو المتعالية أو الترانسندنتالية، ويؤكد أن الظروف المتوفرة في ظل النظام الرأسمالي قادرة على امداد الإنسان بالأساس اللازم لوصوله إلى الكمال المنشود بصورة تدريجية ومستمرة، ويذهب بارسونز إلى أن المجتمع الصناعي والتطور التكنولوجي محكوم بمجموعة من القيم القادرة على تحقيق الاستقرار الاجتماعي بصفة مستمرة.

وعندما تناول بارسونز النسق الاجتماعي بالتحليل، ركز على عدة وظائف أساسية للنسق في مقدمتها التكامل والحفاظ على الأساس البنائي له، وهو ما أطلق عليه الكون، فالنسق الاجتماعي عند بارسونز وحدة محافظة على حدودها قادرة باستمرار على تحقيق التوازن الدينامي في مواجهة المواقف المتغيرة.

الاتجاه الطوعي عند بارسونز في علم الاجتماع:

فقد تبنى بارسونز اتجاهاً عرف في تاريخ علم الاجتماع بالاتجاه الطوعي، وجوهر هذا الاتجاه هو أن الناس كائنات تسعى نحو انجاز غاية محددة، وهي قادرة في نفس الوقت على تغيير مجرى حياتها بجهدها وعملها، وتقترب هذه الرؤية البارسونية مع النظرية الماركسية المبكرة عن الاغتراب، على الرغم من أن بارسونز لم يكن على وعي بهذا التقارب.

والواقع أن هذا التقارب سطحي صوري إلى حد كبير، فعلى الرغم من اتفاق في مفهومي الطوعية والاغتراب من حيث النظر إلى الإنسان على أنه كائن مناضل في سبيل تحقيق الهدف، وعلى الرغم من تأثر كل من بارسونز وماركس بالرومانسية الجرمانية، إلا أن هناك أوجه اختلاف واضحة بين هذين المفهومين، ففي الوقت الذي ينظر فيه بارسونز إلى الاختلاف بأهداف العمل الإنساني ونتائجه على أنه قدر لا مقر منه وبالتالي يعد أمراً طبيعياً، فإن هذا الاختلاف يمثل جوهر المشكلة الإنسانية للإنسان والمجتمع في النظرية الماركسية، والتي تحاول تلك النظرية مواجهتها والقضاء عليها من من خلال تصور حتمية التحول الاشتراكي للمجتمع.

حيث يوضع حد للاغتراب ويستطيع الإنسان أن يشكل قدره بجهده التخطيطي المحكم، وهناك خلاف رئيسي آخر بين بارسونز وماركس فإذا كان ماركس يحاول ارجاع قيم الإنسان وفكره وسلوكه إلى الواقع المادي للنسق الاجتماعي، فإن بارسونز يؤكد عدم امكان تفسير قيم الناس ونماذجهم السلوكية في ضوء ذلك الواقع المادي أو في ضوء ظروفهم الاجتماعية القائمة، كذلك يؤكد بارسونز عدم امكان التنبؤ بالسلوك الاجتماعي للأفراد من مجرد الوقوف على ظروفهم المادية.

وهكذا فإن الطوعية عند بارسونز تخدم دراسته كميكانزم يؤدي إلى الصياغة العشوائية، وليس الصياغة البنائية للواقع والسلوك وبقول آخر فإن الطوعية عنده هي البديل الذي طرحه للحتمية الماركسية، فالطوعية والأخلاق هما أساس الإدارة الحرة عند بارسونز وهو بهذا لم يقدم إلينا نموذجاً يختلف مع النماذج النظرية السابقة بإدخال مغير جديد في المعادلة التنبؤية، ولكنه حاول من خلال نظرية في الطوعية تحطيم الامكانية الكلية لقيام أي نوع من الحتمية أو التنبؤ، بما في ذلك التنبؤ الاحتمالي ذاته، فالقيم والأخلاق والمعايير هي المتغيرات التي تحكم السلوك الإنساني، وهي في جوهرها متغيرات لا عقلية وبالتالي تستعصي على التنبؤ أو الضبط.

وعلى الرغم من أن التصور الطوعي للفعل الاجتماعي عند بارسونز يؤكد الدور الإيجابي وليس مجرد الدور التكيفي للفاعل، إلا أنه يرجع السلوك إلى القيم المطلقة، وبالتالي إلى عوامل غير مفومه، والواقع أن الطوعية عند بارسونز لا تنكر أهمية العوامل غير المعيارية كالعوامل الاقتصادية مثلاً، ولكنها تنظر إليها على أنها متبادلة الاعتماد مع المتغيرات المعيارية، ويحاول بارسونز التدليل على عدم امكانية التنبؤ بالأداء الإنساني كلية، حتى مع معرفة المعايير الأخلاقية، حيث أنه يرى أن مجرد وجود المعيار الأخلاقي لا يعني التطابق الآلي معه.


شارك المقالة: