الخلفية الأيديولوجية للنظرية السوسيولوجية عند أوجست كونت

اقرأ في هذا المقال


الخلفية الأيديولوجية للنظرية السوسيولوجية عند أوجست كونت:

تأثر رواد علم الاجتماع الأول بالاتجاه المحافظ عند دي بونالد وجوزيف دي ماسترر فقد دعا الباحثان إلى أن يكون مجتمع ما بعد الثورة الفرنسية شبيهاً بمجتمع العصور الوسطى، يضاف إلى ذلك أنهما ركزا على مجموعة من المشكلات والقضايا الاجتماعية التي اهتم بها كونت وأفسح لها مكاناً داخل نظريته السوسيولوجية.

وإن كان الاتجاه المحافظ عنده يختلف في مضمونه بعض الشيء عن الاتجاه المحافظ عند بونالد وماستر وكونت لم يدع إلى العودة إلى مجتمع القرون الوسطى ولم يهاجم الثورة الفرنسية، ولم يقصد العودة بالمجتمع إلى الحالة التي كانت سائده قبل الثورة، ولكنه استهدف الحفاظ على الحالة القائمة بالفعل في زمنه وعلى الأساس البنائي للتنظيم الاجتماعي للمجتمع الفرنسي، أو على مجتمع الطبقات الوسطى أو المجتمع البرجوازي بعد تخليصه من حالة الفوضى وسوء التنظيم المنتشرة داخله.

وهكذا يمكن القول بأن علم الاجتماع ظهر عند رواده الأول، خاصة علم الاجتماع الوضعي، كرد فعل مضاد لفلسفة النفي التي ميزت عصر الاستنارة، فإذا كانت هذه الفلسفة الأخيرة ركزت في وضع أساسيات تنظيم مستقبلي مخطط، فإن الفكر الوضعي عند كونت ركز على حماية على ما هو كائن، ودون معرفة الحقيقة ودون أية محاولة تلاشيه أو تجاوزه.

موقف أوجست كونت ضد النظرية الماركسية:

وقد حاول كونت من خلال فكرة الوضعية الاجتماعية الوقوف في وجه النظرية الماركسية التي كانت تمثل التحدي الأعظم للمجتمع البرجوازي الغربي وللأيديولوجية البرجوازية القائمة على عدة مبادئ في مقدمتها الحقوق الطبيعية للإنسان وحرياته المطلقة في التملك والعمل والفكر، وعدم تدخل الدولة في النظام الاقتصادي للأفراد.

وقد صدرت النظرية الماركسية ذاتها عن واقع المجتمع الأوربي ذاته ومشكلاته المتعددة التي وقع فيها نتيجة لتطبيق النظام الرأسمالي خاصة بعد الثورة الصناعية، ويشير زيتلين إلى أن مصطلح وضعي قصد به كونت أن يكون سلاح أيديولوجي لمواجهة التركة الفلسفية الموروثة عن عصر الثورة البرجوازية أو عصر الاستنارة، وفي مقدمة مشكلات هذه التركة فكرة النفي أو فلسفة لنفي وقد حاول كونت في مقابل فكرة النفي أي نفي النظام القائم والتطلع إلى نظام جديد وإحلال مجموعة من المبادئ الإيجابية الوضعية.

وعندما حاول كونت تشخيص حالة الفوضى القائمة في المجتمع الفرنسي عقب الثورة الفرنسية، استعار من أستاذه سيمون بعض المبادئ الفكرية، ففي مقابل العامل الاقتصادي عند ماركس نجد أن كونت يركز على إرجاع الفوضى إلى عوامل فكرية وقيمية وأخلاقية على أساس أن المعرفة والأفكار هي القوة المحققة لوحدة المجتمع، فالمجتمع ليس في نهاية الأمر سوى مجتمع أفكار والنسق الاجتماعي هو في التحليل الأخير وانعكاس لنسق القيم والأفكار.


شارك المقالة: