اقرأ في هذا المقال
- الخلفية الأيديولوجية للنظرية السوسيولوجية عند إميل دور كايم
- الأفكار والتصورات التي قدمها دور كايم في التصورات الماركسية
الخلفية الأيديولوجية للنظرية السوسيولوجية عند إميل دور كايم:
يشير بعض النقاد النظرية السوسيولوجية مثل إزفين زيتلين إلى أن تفهم النظرية السوسيولوجية عند زعيم المدرسة الفرنسية في علم الاجتماع إميل دور كايم يتطلب معرفة موقف ذلك المفكر من الفكر والتيارات السياسية في عصره، خاصة الفكر والحركات الاشتراكية.
فقد اهتم بالحركة الاشتراكية وبمشكلاتها وهو في الخامسة والعشرين من عمره أي في عام 1883، وهو نفس العام إلى بدأ فيه الاعداد لرسالته الدكتوراة عن تقسيم العمل الاجتماعي، ومع تقدمه في أبحاثه حول ظواهر تقسيم العمل والانتحار والأسرة والدين، تحول اهتمامه من الاشتراكية إلى علم الاجتماع، ثم إلى المشكلات الاجتماعية.
ولكن دور كايم كما أشار إلى ذلك تلميذه مارسل موس لم يتخلي عن منطلقاته الفكرية الأولى المناهضة للفكر الماركسي والاشتراكي، فقد حاول أن يعالج قضية الاشتراكية من المنظورين الموضوعي والسوسيولوجي وذلك في محاضراته عن الاشتراكية التي ألقاها بجامعة بوردو سنة 1895، حيث تناول موضوعات في مقدمتها كيفية تفسير الأشكال المختلفة للأيديولوجية الاشتراكية، إلى جانب الظروف والضغوط الاجتماعية التي دفعت كلاً من سان سيمون وفوريير أوين وماركس إلى تقديم نظرياتهم على التوالي، وهكذا اهتم دور كايم منذ البداية بتحليل مختلف العوامل والدوافع والظروف التي أدت إلى ظهور الفكر الاشتراكي في العالم الغربي.
ولقد كان دور كايم على علم كامل بدقائق التراث الفكري للاشتراكية، بما في ذلك النظرية الماركسية، ولكنه كان يكن عداء شديداً للفكر الاشتراكي على الرغم من إيمان بعض أصدقائه بذلك الفكر سواء في صيغته الماركسية أو في غيرها من الصيغ، وإن أكثر جوانب النظرية الاشتراكية كرهاً لدى دور كايم هو الجانب الطبقي أو تركيزها على التحليل الطبقي وما تتسم به من عنف ثوري، وما ترمي إليه من غايات سياسية، ولا شك أن المقصود هنا الفكر الاشتراكي الماركسي، ونتيجة لهذا الموقف العدائي من الفكر الاشتراكي الماركسي.
الأفكار والتصورات التي قدمها دور كايم في التصورات الماركسية:
قد حاول دور كايم أن يقدم بعض الأفكار والتصورات في مواجهة الأفكار والتصورات الماركسية، ففي مقابلة تصور بناء المجتمع وتغيره على أساس مفاهيم الطبقة والصراع الطبقي، قدم دور كايم نظريته في التضامن الاجتماعي، تلك النظرية التي تتجاهل إلى حد كبير قضية الطبقات والانقسام الطبقي والصراع الاجتماعي والاقتصادي داخل المجتمع.
وعلى الرغم من أنه لم يتم دراسته التي بدأها حول قضية الاشتراكية والتي تضمن تحليلاً نقدياً للنظرية الماركسية، إلا أنه يمكن اعتبار أن ذلك الجزء الذي أنجزه منها جنباً مع بقية الجوانب الأخرى لنظريته السوسيولوجية، على أنه محاولة جادة ومخططة لتقديم نموذج للمجتمع والتغير يناقض ذلك النموذج الذي قدمه ماركس للمجتمع والتغير الاجتماعي والتحول التاريخي.
وعلى الرغم من انتقاداته لبعض جوانب النظرية السوسيولوجية عند كون فإن النموذج العضوي الذي يقوم على أساس الاتفاق أو الاجماع عند دور كايم كما هو الحال عند مؤسس علم الاجتماع، فلسفة وضعية بناءة في مواجهة فلسفة السلب والنفي والنقد التي تبناها أنصار بعض الاتجاهات الاشتراكية في مقدمتها الماركسية ولكن دور كايم لم يفسح مكاناً مناسباً في تلك الفلسفة الوضعية أو في نظريته عن السياسة الوضعية، لبعض المفاهيم كالتدرج الاجتماعي وانقسام الطبقي ومشكلات القوة والصراع السياسي.
والواقع أن تركيز دور كايم على فكرة التضامن صدر، كما يؤكد بعض كتاب النظرية السوسيولوجية عن خوفه من الصراعات الاجتماعية والسياسية التي كانت محتدمة في عصره، فقوة الحركة الاشتراكية كما شاهدها في أوربا، وما قدمه الفكر الاشتراكي من تحليلات سوسيولوجية وحلول مقترحة لمشكلات المجتمع، دفعته إلى البحث عن صيغة قادرة على التوفيق بين النسقين النظريين المتصارعين في عصره، وهما النظرية الماركسية من جهة والنظرية الوضعية من جهة أخرى.
وهو على الرغم من تأثره بكونت إلا أنه كان غير مستقر على حد تعبير جولدنر وبقول آخر حاول دور كايم التوفيق بين التراث الاشتراكي بما يتضمن من تصور معين للمجتمع ومشكلاته وأسلوب مواجهتها، وبين التراث السوسيولوجي بما يتضمنه من تصور معين للمجتمع والمشكلات والعلاج.
وقد حاول تحقيق ذلك التوفيق من خلال الرجوع إلى السلف العقلي المشترك لهما وهو سان سيمون على حسب تصوره ولعل هذا هو ما أدى به إلى اخراج دراسته الشهيرة عن الاشتراكية وسان سيمون والتي يمكن للمطلع التنبؤ بأغلب الجوانب الفكرية التالية عند دور كايم.
ولكن دور كايم فشل في تحقيق هذا التصالح الأيديولوجي المزعوم لعدة أسباب في مقدمتها اتساع حدة التناقض بين الأيديولوجية الماركسية والأيديولوجية الوضعية من جهة، وإلى جانب تبنى دور كايم للاتجاه المحافظ من جهة أخرى.