الدول والحركات الاجتماعية والثورات عند تيللي وسكوكبول في علم الاجتماع:
تأثر تاريخ الدول الحديثة، على الأقل منذ القرن الثامن عشر فصاعداً، تأثراً عميقاً بما شهدته تلك الدول من الحركات الاجتماعية، ويمكن النظر إلى الحركات الاجتماعية على أنها أشكال من الفعل الجمعي الذي يهتم بتحقيق تحولات جوهرية في بعض جوانب النظام القائم في مجتمع من المجتمعات شأنها شأن دراسة الدولة البيروقراطية، والدراسة الاجتماعية للحركات الاجتماعية تدين بالكثير في ريادتها إلى ماكس فيبر.
فقد أكد فيبر أهمية أوجه التعارض بين الأنماط المستقرة والمنضبطة من التنظيم البيروقراطي والطابع غير الثابت والأكثر سيولة للحركات الجاهيرية والتي تتطور إلى تحد للنظام القائم، وتمثل الحركات الاجتماعية في رأيه تأثيرات دينامية يمكن أن تؤدي باستمرار إلى تفكيك أو تهديد الأنماط المستقرة من السلوك، ومن ثم تتحول إلى مصدر سريع للتغير.
وقد وجدت أنماط فائقة الأهمية من الحركات الاجتماعية في الحقبة اللاحقة على الحداثة، ولهذا ناقش نورمان كون تأثير الحركات الإحيائية في العصور الوسطى، كان لهذه الحركات أهداف دينية، وكان الدافع وراءها هو الطموح نحو إقامة حكم في الأرض، كما ظهرت صور أخرى من الحركات الاجتماعية بأهداف أكثر علمانية.
ولذلك رأت آواخر العصور الوسطى الأوروبية عديداً من ثورات الفلاحين، التي كانت تحدث بسبب نقص الغذاء أو ارتفاع الضرائب، وهناك تمييز واضح كل الوضوح بين الحركات الدينية والحركات العلمانية في المجتمعات التقليدية من ناحية، وبين الحركات الاجتماعية التي كانت لها تأثيرات بعيدة المدى على تطور الدول الحديثة خلال القرنين الماضيين من ناحية أخرى.
ومن الممكن إيضاح الاختلاف بينهما عن طريق التمييز الذي قام به أغلب الكتّاب بين حركات التمرد من جهة وحركات الثورة الاجتماعية من جهة ثانية، فحركات تمرد الفلاحين ما هي إلا حركات تمرد، بمعنى أنه على الرغم من محاولتها على الأغلب الإطاحة بالجماعة القائمة من النبلاء، أو بملك معين إلا أنها لم تكن تمتلك رؤية لعمليات طويلة المدى من الإصلاح المؤسسي.
وحتى الافتراض بظهور تغيرات مع نهاية الألفية، لا تمتلك سوى إشارات قليلة بأن تعديل النظام القائم بالقوة هو إصلاح مرغوب فيه وممكن، وعلى النقيض من ذلك تستهدف الحركات الثورية تحقيق نوع من التحول الاجتماعي العلماني والثوري، ويرتبط ظهورها بالحقبة الحديثة.
وقد ظهرت هذه الحركات مع ظهور فكرة حقوق المواطنة العامة، جنباً إلى جنب مع مفاهيم المساواة والديمقراطية، وكان لهذه المفاهيم بعض الجذور العامة في العالم الكلاسيكي، ثم أخذت تكتسي بالطابع الحديث في بدايات تالقرن السابع عشر، وابتداء من أواخر القرن الثامن عشر فصاعداً بدأت هذه المفاهيم ترتبط على نحو منظم بالحركات التي تضغط ﻹحداث تجديد سياسي واجتماعي ثوري.
وهناك شعور أساسي لدى كل فرد في عالم اليوم بأننا نعيش في مجتمعات ثورية، وأغلب الظن أن غالبية الدول قد شهدت على الأقل جانباً رئيساً من الثورة السياسية في وقت ما خلال الأعوام المائتين الماضية، وارتبطت الماركسية بطبيعة الحال بهذه الظاهرة بطريقة متكاملة منذ بداية القرن العشرين.
إذ تأثرت معظم الثورات الاجتماعية في القرن العشرين بالفكر الماركسي أو استلهمت ذلك الفكر في أي صورة من صوره، وتختلف الماركسية عن أي مدخل نظري آخر في العلوم الاجتماعية في هذه الزواية بالذات، فقد عملت كوسيط ﻹحداث حلقات متتابعة وبعيدة المدى من التغير الاجتماعي ثم خلال تكوين حركات اجتماعية معارضة.
إن تفسير طبيعة الثورات الاجتماعية والنتائج المترتبة عليها يختلف اختلافاً كبيراً، وهو أمر ليس بمستغرب إذا وضعنا في اعتبارنا الطابع المشحون للموضوع، ومن بين أكثر المداخل تأثيراً في دراسة الحركات الثورية الاجتماعية ذلك المدخل الذي قدمه تشارلز تيللي، وثيدا سكوكبول، وقد حاول تيللي أن يحلل عمليات التغير الثوري في ضوء للتفسير العام لتعبئة الحركات الاجتماعية في الأزمنة الحديثة.
فإحدى خصائص عالم مشحون بالأفكار الالتزام السياسي والمشاركة السياسية هي وجود ميل لدى الجماعات للعمل النشط نحو تعبئة وتطوير مصالحها ومثالياتها، فالحركات الاجتماعية هي وسائل لتعبئة موارد الجماعة التي تكون مبعثرة في إطار نظام سياسي معين، أو تكون قد تعرضت للقمع من قبل سلطات الدولة.
وفي رأي تيللي أن الحركات الثورية هي جزء من العمل الجمعي في ظروف يصفها تيللي بمفهوم تعدد السيادة، ويعني بها الدولة لظرف أو ﻵخر لا تكون لها رقابة كاملة على منطقة النفوذ التي يفترض أنها تحكمها، ويمكن أن تظهر مواقف تعدد السيادة كنتيجة الحروب الخارجية، أو كمحطة للصدامات السياسية الداخلية أو لكليهما معاً.