السمات المميزة للتطبيق العملي للمسؤولية الاجتماعية:
إن تحليل هذه السمات المميزة لواقع المسؤولية الاجتماعية يعطي تصوراً أكثر تحديد المدى فهم المشروعات الصناعية لمضمون المفهوم النظري لمسؤوليتها الاجتماعية، كما أنه يعطي تصوراً أكثر دقة المسافة التي تفصل بين ما كان ينبغي أن يكون عليه المفهوم النظري للمسؤولية الاجتماعية وبين مضمونها الحالي من ناحية، وبين مضمونها الحالي ونتائج التطبيق العملي له من ناحية ثانية، وبين مضمونها الحالي ونتائج التطبيق العملي له من ناحية ثانية، مما يفتح المجال أمام تحليل الاحتمالات المستقبلية لهذه المسؤولية الاجتماعية.
ويمكن أن نصل إلى هذه السمات المميزة إذا قرنا النتائج التي انتهى إليها واقع التطبيق العملي بالعوامل المؤثرة فيه إلى جانب المفهوم النظري لها، وهنا نجد أن هذه السمات المميزة للمسؤولية الاجتماعية تتمثل فيما يأتي:
1- عدم وضوح المسؤولية الاجتماعية كاتجاه أيديلوجي للمشروعات الصناعية، رغم أنها من حيث تطورها التاريخي والظروف الاجتماعية الداعية إليها واقترانها بالإطار الأيديولوجي للصناعة كجزء منه، لم تكن إلا تعبيراً عن هذا الاتجاه الأيديولوجي الجديد للمشروعات الصناعية، والذي كان لا بدّ أن يترجم إلى منهج عملي متكامل وسلوك منظم دائم.
2- عدم وضوح المسؤولية الاجتماعية كقواعد مقننة وملزمة، ولقد أحدثت هذه السمة فجوة واسعة بين القول والعمل في مجال المسؤولية الاجتماعية، فبدأت المشروعات الصناعية تتكلم عنها بأكثر مما تطبقها، وانعكس هذا الوضع على التطبيق العملي ذاته فبدت المسؤولية الاجتماعية غريبة على عمليات اتخاذ القرارات في الإدارة العليا، لأنها من وجهة النظر الاقتصادية للإدارة العليا لم تصل إلى المستوى العلمي في تخطيطها وتنفيذها وتقييمها.
3- يتسم التطبيق العملي للمسؤولية الاجتماعية بالعشوائية، وهذه نتيجة طبيعية لعدم النظر إليها كاتجاه أيديولوجي ولعدم ترجمتها إلى قواعد مقننة، ولقد انعكست هذه العشوائية على كل جوانب التطبيق العملي، وليس من السهل أن نجد مثالاً لهذه العشوائية في كل جانب من هذه الجوانب، ولا شك أن هذه السمة تتنافى تماماً مع أهمية المسؤولية الاجتماعية ومكانتها في أيديولوجية الصناعية وعلى ضوء المتغيرات الداعية إليها في المجتمع.
4- انعكست الأصول التقليدية ﻷيديولوجية الصناعة على التطبيق العملي للمسؤولية الاجتماعية بشكل واضح، سواء في نظرة المشروعات الصناعية إليها وهي في مضمونها نظرة مادية، أو في نظرتها إلى أهدافها وهي في مضمونها أسلوب لدعم رسالتها الاقتصادية، أو في نظرتها إلى نوعية الأنشطة التي ينبغي أن تقوم عليها وهي في مضمونها لا تخدم إلا المصالح الذاتية أساساً ولا تركز إلا على الجوانب المادية.
5- انعكست الأصول التقليدية ﻷيديولوجية الصناعة أيضاً على العوامل المؤثرة على نتائج التطبيق العملي للمسؤولية الاجتماعية، فكانت في جملتها لا تخرج عن كونها تعبيراً عن شدة حرص المشروعات الصناعية الأمريكية على هذه الأصول التقليدية ﻷيديولوجيتها وتعمقها في تفكير الإدارة العليا بها وانعكاسها على قراراتها وتصرفاتها وأنماط سلوكها المتصلة بالمسؤولية الاجتماعية.
6- كان من الطبيعي نتيجة لكل السمات السابقة أن تكون الجهود العملية للمسؤولية الاجتماعية محدودة وغير شاملة، فهي محدودة في الالتزام بها وفي حجم أنشطتها وتوفر الإمكانات اللازمة لها وفي مداها الزمني، وهي غير شاملة الجوانب المادية والمعنوية للمسؤولية الاجتماعية، بل أنها غير شاملة في نوعيات الأنشطة التي تدخل في الجوانب المادية ذاتها.
الفرق بين التطبيق العملي للمسؤولية الاجتماعية ومضمون المفهوم النظري لها:
ومن هنا يتضح أن هناك فرقاً شاسعاً بين التطبيق العملي للمسؤولية الاجتماعية ومضمون المفهوم النظري لها، وهذا الفرق الشاسع يعني أنه إذا لم تتعمق أسس النمط الاجتماعي ﻷيديولوجيا الصناعة وتفكير الإدارة العليا وعقائدها وأنماط سلوكها، فسوف تظل هذه الفجوة قائمة، وقد يكون السبب هنا راجعاً إلى حداثة هذا النمط الاجتماعي، وهذا يؤكد أن عنصر الوقت له مغزاه داخل مجال يتسم تفكير أصحابه بالمحافظة أمام التغيرات التي يحسون أنها تزعزع ثقتهم فيما تعودوا عليه وآمنو به.
كما أن الفرق الشاسع بين التطبيق العملي والمفهوم النظري يعني أنه ما لم تتحول المسؤولية الاجتماعية إلى اتجاه أيديولوجي جديد للإدارة العليا في المشروعات الصناعية، وما لم تتحول إلى منهج عمل وسلوك منظم ينعكس على كيفية تفكيرهم وتخطيطهم وتنفيذهم، بحيث تصبح إطار لدور جديد للمشروعات الصناعية داخل المجتمع الأمريكي المعاصر، فإن هذه الفجوة سوف تظل تتسع، وحيث أن المسؤولية الاجتماعية جزء من النمط الاجتماعي ﻷيديولوجية الصناعة، فإن عنصر الوقت هنا له مغزى آخر قد يكون في صالح العقيدة الرأسمالية للمجتمع المعاصر أو في صالحها.