اقرأ في هذا المقال
- السمة الموضوعية لقوانين التطور الاجتماعي
- التطور الاقتصادي والتطور الاجتماعي
- ماذا تعني الحتمية الموضوعية للاشتراكية من وجهة نظر الماركسية
أكد كارل ماركس وفريدريك إنجلز أن الناس ليس هم الذين يستخدمهم التاريخ كوسيلة لتحقيق أهدافه، إنما التاريخ نفسه ما هو إلا نشاطات الناس الذين يرمون إلى تحقيق أهداف معينة، فالناس هم الذين يصنعون التاريخ، والناس على حد تعبير ماركس، هم مؤلفو دراما حياتهم الخاصة، وهم الذين يقومون بالتمثيل فيها في آن واحد.
السمة الموضوعية لقوانين التطور الاجتماعي
لا ينبغي مطلقاً أن نستنتج من هذه الحقيقة أن البشرية تقيم روابطها الاجتماعية عن وعي ومعرفة، فالقوة التي تعين تطور المجتمع هي تغير أسلوب الانتاج، الذي هو من صنع نشاطات الناس أنفسهم، إن إسلوب الانتاج هذا لم تفرضه على الناس قوة غريبة عنهم كالعناية الالهية أو الروح العالمية، إنما الذي خلقه هم الناس أنفسهم، حيث أنهم لن يخلقوه حسب هواهم ورغباتهم، إنما في ظل ظروف تاريخية معينة، لا تتوقف على إرادتهم ولا على وعيهم، ولذا فإن مسيرة الأحداث التاريخية لا تعينها نشاطات الناس الواعية وحدها.
فإن هذه المسيرة تخضع لقوانين موضوعية لا تتوقف على إرادة الناس ووعيهم، تلك القوانين التي تحكمت بالناس، كقوى الطبيعة العفوية، على مدى تاريخ الماضي كله، حيث أن الناس الذين يشيدون المجتمع الشيوعي الجديد، وأنهم يستطيعون استخدام هذه القوانين، دون أن تفقد سمتها الموضوعية، ويخضعون لإرادتهم القوى العفوية للتطور الاجتماعي، كما سبق لهم واخضعوا قوى الطبيعة لإرادتهم.
التطور الاقتصادي والتطور الاجتماعي
إن التطور الاقتصادي هو عملية تاريخية طبيعية تخضع إلى قوانين موضوعية بصرف النظر أنه كان يجري بصورة عفوية، أو يوجهه المجتمع عن وعي ومعرفة في ظل الاشتراكية، وحينما اكتشف ماركس وإنجلز القاعدة المادية للحياة الاجتماعية برهنا على وجود قوانين موضوعية تعمل على تطوير المجتمع، وأشار فلاديمير لينين في كتابه من هم أصدقاء الشعب وكيف يناضلون ضد الاشتراكيين الديمقراطيين؟ إلى أن ماركس وإنجلز قسما العلاقات الاجتماعية إلى نوعين، علاقات مادية وعلاقات فكرية، فبخلاف العلاقات الاجتماعية الفكرية تتكون العلاقات المادية أو الانتاجية بدون إرادة الناس ووعيهم، باعتبارها نتيجة حتمية لنشاطاتهم الرامية إلى الحفاظ على نفس وجودهم.
وإن العلاقات الاقتصادية أو الانتاجية تكون بمجموعها البنية الاقتصادية للمجتمع وقاعدته الحقيقية، وأما العلاقات الفكرية فهي بناء فوق هذه القاعدة، لقد كتب فلاديمير لينين بهذا الصدد قائلاً، إن جعل العلاقات الاجتماعية تعود إلى مستوى العلاقات الانتاجية، وجعل العلاقات الانتاجية تعود إلى صعيد القوى المنتجة، أعطانا أساساً راسخاً لنتصور تطور التشكيلات الاجتماعية كمسيرة تاريخية طبيعية.
وبفضل هذا الموقف تمت البرهنة على أن هناك قوانين موضوعية تفعل مفعولها في تاريخ المجتمع، وهي تنجم عن الصفة التي تتسم بها علاقات الناس المادية، وبالتالي فإنها لا تتوقف على إرادتهم ولا على وعيهم.
ولاحظ فلاديمير لينين، وهو يطور هذه الأحكام في كتابه المادية ومذهب النقد التجريبي، ما يلي حينما يعاشر الناس بعضهم بعضاً لا يدركون الروابط الاجتماعية التي تتكون خلال ذلك ولا القوانين التي تتطور بموجبها، وذلك في التشكيلات الاجتماعية المعقدة نسبياً، خاصة في التشكيلة الاجتماعية الرأسمالية.
فعندما شرع الفلاح بتصدير حبوبه إلى السوق، مثلاً فقد أخذ يعاشر منتجي الحبوب في العالم من خلال صفقة البيع هذه، ولكنه لم يعرف على الاطلاق الروابط الاقتصادية التي تتكون في نتيجة هذه الصفقة، رغم أنه من المحتمل أن يتوقف افلاسه عليها، مثلاً على هبوط الأسعار في السوق العالمية، فليس وعي الفلاح هو الذي يعين طبيعة هذه الروابط الاقتصادية أبداً، بالعكس فوعيه هو الذي يتغير، وذلك تبعاً للروابط الاقتصادية الناشئة.
من الطبيعي أن يتحرك كل من يساهم في الإنتاج عن وعي ومعرفة، فهو يدخل تغيرات على أدوات الإنتاج ويقوم بتبادل مصنوعاته يغيرها وغير ذلك بعد أن يكون قد أمعن التفكير فيها مسبقاً، وأما في نتيجة نشاطات ملايين المنتجين فتتغير ظروف حياتهم الاجتماعية، وليس هذا فحسب، إنما من المحتمل أن لا يكونوا قد أدركوها قبل حدوثها، ويختتم فلاديمير لينين أقواله بما يلي: “إنكم تعيشون وتكدحون وتلدون أولاداً وتنتجون منتوجات، وتتبادلونها، فتتكون عن نشاطاتكم هذه سلسلة موضوعية وحتمية من الأحداث، سلسلة من التطور لا تتوقف على وعيكم الاجتماعي، وليس في وسعكم أن تحتوي تماماً هذه السلسلة على الإطلاق”.
إن ظروف حياة الناس المادية هي التي تعين دائماً طبيعة واتجاه نشاطاتهم، ورغم أن الناس هم الذين يغيرون هذه الظروف، فهم لا يستطيعون اختيارها مطلقاً حسب إرادتهم، وبالتالي فإن قولنا عن أن الناس هم يصنعون تاريخهم لا يعني أنهم يصنعونه كما يخطر لهم، ثم إن الاقرار بموضوعية قوانين التطور الاجتماعي لا يعني إن هذه القوانين تفعل مفعولها بصورة مستقلة عن الإنسان أو بدونه، إن هذه القوانين هي قوانين نشاطات الناس أنفسهم.
ماذا تعني الحتمية الموضوعية للاشتراكية من وجهة نظر الماركسية
تعني أن الرأسمالية قد ولى زمانها وأصبحت عائقاً بوجه التاريخ، كما تعني أن تطور ظروف حياة المجتمع المادية جعل الناس يواجهون مهمة ملحة في تغيير العلاقات الإنتاجية وجعلها تطابق القوى المنتجة الجديدة، فإن تطور الرأسمالية هو الذي أنجب طبقة كطبقة البروليتاريا، التي اضطرت نتيجة لمكانها الموضوعي في أسلوب الإنتاج الرأسمالي، إن تناضل ضد البرجوازية من أجل انتصار الاشتراكية؛ ﻷنها لا تستطيع أن تتحرر سوى عن هذا الطريق.
وهذا يعني أن الصراع الطبقي الذي تخوضه البروليتاريا من أجل إقامة المجتمع الاشتراكي هو حتمية تاريخية، ولذا فإن التأكيد على حتمية قيام الاشتراكية لا يعني على الإطلاق أن الاشتراكية تأتي بنفسها بدون أي كفاح.
غالباً ما يحاول نقاد المادية التاريخية أن يعزوا إلى الماركسية نظرة إلى التاريخ غريبة عنهم، وهي إيمانهم بالقضاء والقدر، وأن هؤلاء النقاد وأمثالهم لم يسيروا في فهمهم للماركسية، كما ينطلق اليوم من هذه المواقف الكثير من المحرفين المعاصرين، فيعتبرون أن قيام الاشتراكية هو مسيرة عفوية، فهل هناك ما يجمع بين الماركسية اللينينية المفعمة بالروح الثورية وبين هؤلاء الذين يروجون لنظرية العفوية، حيث يتاجرون ببضاعة الأيديولوجية البرجوازية؟
وبهذا الصدد لاحظ فلاديمير لينين ما يلي: أن الماركسية تتميز عن كل النظريات الاشتراكية الأخرى بأنها تجمع بروعة بين وجهة النظر العلمية الواضحة والكاملة في تحليل الحالة الموضوعية للأشياء والمسيرة الموضوعية للتطور، وبين اقرارها الحازم بأهمية الطاقات الثورية والابداعات الثورية والمبادرات الثورية التي تبذلها وتبديها الجماهير، وطبعاً بعض الشخصيات والتجمعات والمنظمات والأحزاب التي تستطيع التحسس بروابطها مع هذه الطبقات أو تلك، وتعمل على تنفيذها.
إن هذا الترابط العضوي بين الاقرار بالمسيرة الموضوعية للتطور والروح الثورية للماركسية جلى تماماً لكل الناس، عدا هؤلاء الذين احترفوا نقد الماركسية، والذين يواصلون الادعاء بما يلي، ليس في وسع الإنسان أن يكون فاعلاً حراً للتاريخ، ولا عاملاً يبدع في تعيينه، إذا انطلقنا من أن مسيرة التاريخ، عملية حتمية في آن واحد.