الشخصية والجريمة

اقرأ في هذا المقال


يمكن تعريف الشخصية على أنّها شيء يجعلنا ما نحن عليه وكذلك ما يجعلنا مختلفين عن الآخرين، ومن الناحية المثالية الشخصية مستقرة بمرور الوقت، وغالبًا ما أسفرت فحوصات العلاقة بين الشخصية والجريمة عن نتائج غير متسقة، حيث أنّه تزيد بعض الحالات النفسية من خطر ارتكاب الشخص لجريمة، فكما تشير الأبحاث إلى أنّ المرضى الذين يعانون من مرض عقلي قد يكونون أكثر عرضة للعنف إذا لم يتلقوا العلاج المناسب، ويعانون بنشاط من الأوهام أو لديهم بارانويا طويلة الأمد، وغالبًا ما يكون هؤلاء المرضى تحت تأثير أمراضهم النفسية مثل الهلوسة الحاكمة، وتشمل الأمراض المصاحبة الأخرى حالات مثل اضطراب تعاطي المخدرات والبطالة والتشرد والآثار الثانوية للأمراض العقلية مثل ضعف الإدراك مما يزيد من خطر ارتكاب جريمة عنيفة.

نموذج الشخصية الخمسة الكبار

واحدة من أكثر النظريات المعروفة عن الشخصية المستخدمة لفحص هذه العلاقة هي نموذج الشخصية الخمسة الكبار، ويوفر هذا النموذج بنية قوية يمكن تصنيف معظم خصائص الشخصية فيها، حيث يشير هذا النموذج إلى أنّ خمسة مجالات تفسر الفروق الفردية في الشخصية وهي:

1- العصابية.

2- الانبساط.

3- الانفتاح.

4- القبول.

5- الضمير.

العصابية

العصابية تنطوي على الاستقرار العاطفي، وغالبًا ما يُظهر الأفراد الذين يحصلون على درجات عالية في هذا المجال الغضب والحزن ولديهم أفكار غير عقلانية، ودوافع لا يمكن السيطرة عليها وقلق، وعلى النقيض من ذلك غالبًا ما يصف الأشخاص الذين حصلوا على درجات منخفضة في العصابية من قبل الآخرين بأنّهم حتى مزاجيون وهادئون ومرتاحون.

الانبساط

المجال الثاني الانبساط، حيث يتميز بالتواصل الاجتماعي والإثارة والتحفيز، والأفراد الذين يحصلون على درجات عالية في الانبساطية (الانبساطيون) غالبًا ما يكونون نشيطين للغاية وثرثارة وحازمة، كما أنّهم أكثر تفاؤلاً تجاه المستقبل، وفي المقابل غالبًا ما يتسم الانطوائيون بأنّهم متحفظون ومستقلون وخجولون.

الانفتاح

المجال الثالث هو الانفتاح ويشير إلى الأفراد الذين لديهم خيال نشط ويجدون المتعة في الجمال ويهتمون بمشاعرهم الداخلية ولديهم تفضيل للتنوع ولديهم فضول فكري، والأفراد الذين حصلوا على درجات عالية في الانفتاح هم على استعداد للترفيه عن الأفكار الفريدة أو الجديدة والحفاظ على القيم غير التقليدية وتجربة المشاعر الإيجابية والسلبية أكثر من الأفراد المنغلقين، في المقابل غالبًا ما يفضل الأشخاص الذين يحصلون على درجات منخفضة في الانفتاح ما هو مألوف ويتصرفون بأسلوب تقليدي ولديهم وجهة نظر متحفظة.

القبول

المجال الرابع هو القبول يرتبط هذا المجال بالميول الشخصية، والأفراد الذين يحصلون على درجات عالية في هذا المجال يعتبرون دافئين وإيثاريين ولطيفين ومتسامحين ومتعاطفين وموثقين، وفي المقابل يوصف أولئك الذين لا يوافقون على أنّهم قساة القلب وغير متسامحين وليس لديهم صبر ومثيرين للجدل.

الضمير

الضمير هو المجال الخامس حيث يركز على قدرة الشخص على التحكم في الانفعالات وممارسة ضبط النفس، ويوصف الأفراد الذين حصلوا على درجات عالية في الضمير بأنّهم منظمون وشاملون وفعالون ومصممون وقويون الإرادة، بالإضافة إلى ذلك من المرجح أن يحقق أولئك الذين يتمتعون بضمير ضميري رغبات أكاديمية ومهنية عالية، وعلى النقيض من ذلك يُعتقد أنّ الأشخاص الذين يحصلون على درجات منخفضة في هذا المجال هم مهملون وكسالى ومن المرجح أن ينسبوا خطأ للآخرين بدلاً من قبول لوم أنفسهم.

الشخصية المعادية للمجتمع لدى آيسنك

اكتشفت إحدى دراسات الشخصية أن السمات الشخصية للعداء والاندفاع والنرجسية مرتبطة بالسلوك المنحرف والإجرامي، وعلاوة على ذلك حدد البحث الذي أجراه شيلدون (Sheldon) وإليانور جلوك (Eleanor Glueck) خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي عددًا من سمات الشخصية التي كانت مميزة للشباب المعادين للمجتمع، وشخصية مهمة أخرى فحصت الشخصية الإجرامية هو هانز آيسنك (Hans Eysenck) 1916-1997، وقد حدد آيسنك اثنين من سمات الشخصية المعادية للمجتمع:

1- الانبساط .

2- العصابية.

حيث اقترح آيسنك أنّ الأفراد الذين يسجلون في نهايات أي من مجالات الانبساط والعصابية هم أكثر عرضة للتدمير الذاتي والإجرام، وعلاوة على ذلك ترتبط العصابية بالسلوك المدمر للذات (مثل تعاطي المخدرات والكحول وارتكاب الجرائم).

شخصية مختل عقليًا

تُستخدم الشخصية المعادية للمجتمع أو السيكوباتية أو المعتلة اجتماعيًا بالتبادل، وغالبًا ما يكون المعتلون اجتماعيًا نتاج بيئة منزلية مدمرة، فالسيكوباتيين هم نتاج خلل أو انحراف في أنفسهم، وتتميز الشخصية المعادية للمجتمع بمستويات منخفضة من الذنب والسحر السطحي والذكاء فوق المتوسط ​​والانتهاكات المستمرة لحقوق الآخرين وعدم القدرة على تكوين علاقات دائمة والاندفاع والمخاطرة والتمركز حول الذات والتلاعب والقوة وقسوة القلب والعواطف الضحلة.

قد يشمل الأصل التنشئة الاجتماعية المؤلمة والاضطراب العصبي وشذوذ الدماغ، ومن المثير للاهتمام إذا كان الفرد يعاني من مستويات منخفضة من الإثارة وفقًا للفحص العصبي فقد ينخرط في البحث عن الإثارة أو السلوكيات عالية الخطورة مثل الجريمة لتعويض انخفاض مستوى الإثارة لديهم، والديناميكيات الأخرى التي قد تساهم في الشخصية السيكوباتية هي أن يكون لأحد الوالدين ميول مرضية أو أحداث صادمة في الطفولة أو انضباط غير متسق.

كما أنّه من المهم أن نلاحظ أنّ العديد من المجرمين المزمنين هم من المعتلين اجتماعيًا، وبالتالي إذا كانت سمات الشخصية يمكن أن تتنبأ بالجريمة والعنف فيمكن للمرء أن يفترض أنّ السبب الجذري للجريمة موجود في القوى التي تؤثر على التنمية البشرية في مرحلة مبكرة من الحياة.

المرض العقلي والجريمة

تؤدي أخطر أشكال اضطراب الشخصية إلى اضطرابات عقلية، ويشار إلى أخطر الاضطرابات العقلية باسم الذهان، وتشمل أمثلة اضطرابات الصحة العقلية الاضطراب ثنائي القطب والفصام، ويتميز الاضطراب ثنائي القطب بارتفاعات وانخفاضات شديدة، ويتناوب الشخص بين السلوك المتحمس والحازم والصاخب والسلوك الخمول والفتور والحزين، واضطراب الصحة العقلية الثاني هو الفصام، والذي غالبًا ما يُظهر الأفراد المصابون بالفصام عمليات تفكير غير منطقية وغير متماسكة، وغالبًا ما يفتقرون إلى البصيرة في سلوكهم ولا يفهمون الواقع.

يعاني الشخص المصاب بالفصام المصحوب بجنون العظمة أيضًا من أوهام سلوكية معقدة تتضمن ارتكاب خطأ أو اضطهاد، وغالبًا ما يعتقد الأفراد المصابون بالفصام المصحوب بجنون العظمة أنّ الجميع في طريقهم للإصابة به، ومن المهم أن نلاحظ أنّ الأبحاث تظهر أنّ المجرمات يبدو أنّهن لديهن احتمالية أكبر للإصابة بأعراض الصحة العقلية الخطيرة من المجرمين الذكور، وتشمل أعراض الفصام والبارانويا والسلوكيات الوسواسية.

في الوقت نفسه وجدت الدراسات التي أجريت على الرجال المتهمين بالقتل أنّ ثلاثة أرباعهم يمكن تصنيفهم على أنّهم يعانون من شكل من أشكال المرض العقلي، وحقيقة أخرى مثيرة للاهتمام هي أنّ الأفراد الذين تم تشخيص إصابتهم بمرض عقلي هم أكثر عرضة للاعتقال ويمثلون أمام المحكمة بمعدل غير متناسب، وأخيرًا تشير الأبحاث إلى أنّ الأطفال الجانحين لديهم معدل أعلى من الاضطرابات النفسية السريرية مقارنة بالمراهقين في عموم السكان.

المصدر: رؤوف عبيد، أصول علمي الإجرام والعقاب (دار النهضة العربية، القاهرة 1985(.إيناس محمد راضي (19-9-2015)، "الجريمة"، University of Babylon ، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.أ. د. محمد جبر الألفي (20-10-2016)، "ماهية الجريمة الجنائية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.سعد الراشد (27-1-2015)، "أسباب الجريمة وطرق مكافحتها"، الجماهير، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2017.


شارك المقالة: