الصراع والثقافة في نظرية الحركة الاجتماعية الجديدة

اقرأ في هذا المقال


إن أطول نظرية للحركة الاجتماعية الجديدة تعود إلى الماركسية وهي ترفضهما، إلا أنها رغم ذلك تحتفظ ببعض افتراضاتها المحددة، وإنها تقوم على مركزية الصراع بالنسبة للمجتمع، وبدلاً من البدء من نقطة البداية للأفراد المعزولين، فإنها تتخذ الطبيعة الجماعية لهذا الصراع كأحد معطياتها الثابتة نتيجة لتأثير فكر آلين تورين الذي دأب على النظر لنشاط الحركات الاجتماعية كنشاط ينطوي على صراع بين أصحاب السلطة المهيمنة من جهة، والمسيطر عليهم من جهة أخرى وهم موجودون في جميع المجتمعات، كما أنهم يشكّلون القوة المحركة التي يمكنها إحداث تغيير اجتماعي في المجتمع.

الصراع والثقافة في نظرية الحركات الاجتماعية الجديدة

يركز واضعو النظريات المتعلقة بالحركات الاجتماعية الجديدة المعروفة بهذا التقليد على البعد الثوري لنشاط الحركة الاجتماعية، حتى وإن لم ينظر للثورة في الإطار الماركسي، ومن هنا كان هدف الحركة الاجتماعية حقيقة هو عدم التأثير على العملية السياسية كما تراها نظرية حشد الموارد، ولكن كان الهدف بالأحرى هو تحطيم الحدود في النظام الحالي بحيث يؤدي ذلك إلى التحول الاجتماعي.

لقد كان هناك دائماً انتقاد لواضعي نظريات الحركة الاجتماعية الجديدة، وذلك بسبب مثاليتهم الخيالية الطوبائية، بالأخص عندما يكونون متعارضين مع الجوانب الأخرى لعملهم، رغم ذلك فإن فهمهم للطعون الثقافية كعنصر حيوي للصراع الاجتماعي يجعل المساهمة في هذا التقليد أو العُرف عاملاً مهماً للغاية.

الحركات الاجتماعية عند آلين تورين في علم الاجتماع السياسي

وفقاً ﻵراء آلين تورين، تعد الحركات الاجتماعية هي الموضوع الأساسي في علم الاجتماع إذ إن تنظيم العلاقات الاجتماعية هو نتاج الفعل الاجتماعي، والحركات الاجتماعية تشكّل العوامل الجماعية للفعل الاجتماعي، ومن ثم فإن الحركات الاجتماعية ليست أحداثاً استثنائية ودرامية، فهي بالنسبة لواضعي نظريات حشد الموارد تكمن في قلب الحياة الاجتماعية بشكل دائم.

لقد طور آلين تورين بشكل واضح نظرته للحركات الاجتماعية بشكل معارض للحتمية البنائية للماركسية والوظائفية المهيمنة على علم الاجتماع في الخمسينيات والستينيات على التوالي، وفقاً لتورين إن تجاهل السمات الوظيفية للاجراءات الاجتماعية يعني أنها تعاني من قبول أشياء دون تمحيص للمؤسسات الاجتماعية والقيم التي تدعو إليها وتتضمنها في أية فترة محددة.

ومن هنا يفشل الوظيفيون في رؤية كيف أن التوحد الواضح مع النظام الاجتماعي ما هو إلا انعكاس لفرض الحركة المهيمنة نفسها على من تسيطر عليهم، بالمثل فإن الماركسية معيبة بقدر ما هي تتشارك مع حتمية البنيوية الوظيفية.

ورغم أن الصراع أمر مركزي بالنسبة للماركسية، فهو يُعزى إلى الظروف الهيكلية الكامنة بالمجتمع، فيجري توضيح التشكيل الاجتماعي المشروط، من حيث القوانين الثورية للتاريخ والذي يفشل مرة أخرى في الإقرار بدور الفعل الاجتماعي في إنتاج المجتمع، في حين أن الماركسية تنسب المنافع والمحفزات إلى طبقة الفاعلين التي قد لا تدركها هي نفسها.

ولكن يراها الماركسيون كمنتجة من قبل البنائية الاجتماعية الاقتصادية والتي لا يمكنها الهروب منها، يقول تورين أن الشروط التي من خلالها تقدم الحركات الاجتماعية نفسها كجهات فاعلة يجب أن تتخذ بشكل جدي إذا أردنا فهم الإجراءات الاجتماعية بشكل صحيح.

معارضة آلين تورين للماركسية في الحركات الاجتماعية

بغض النظر عن معارضة آلين تورين للماركسية، فإن أغلب عمله في علم الاجتماع قد تأثر بشكل واضح بالفكرة المركزية للنظرية الماركسية إن كامل التاريخ هو تاريخ للصراع الطبقي، وفقاً لتورين إن كل مجتمع يتشكل من قبل حركتين اجتماعيتين متضادتين والتي أطلق عليها الحركات الطبقية.

رغم ذلك فهو لا يرى أن تلك الطبقتين لا يتصارعان على السلطة والتحكم بوسائل الإنتاج الخاصة بالمجتمع، كما فعل الماركسيون، ولكن يرغبون بالتحكم في ما أسماه التاريخية، يعني تورين بالتاريخية العمليات التي ينتج عنها المجتمع كنتيجة للصراعات الواعية حول الإجراءات الاجتماعية وظروفها.

وفقاً لآلين تورين هناك صراع رئيسي واحد في كل مجتمع بين الحركات الاجتماعية المتعارضة، الصراع بين الطبقة المهيمنة التي استولت عليه تاريخياً وقامت بتغييره إلى نظام من خلال المنظمات التي أسستها من جهة، ومن جهة أخرى هناك الطبقة التي تم الهيمنة عليها من قبل والتي تحاول بدورها معاودة الاستيلاء على السلطة بإجهاض الوضع الحالي فتقدم طُرقاً مبتكرة للتفكير والعمل والحياة، لتعكس الصراع الذي تخفيه.

يتفق آلين تورين مع الماركسيين أنه في المجتمع الصناعي كان الصراع الأساسي يدور بين الرأسمالية والبروليتاريا الطبقة العاملة، رغم أنه يعتقد أنه من الخطأ التفكير فيه من الناحية الاقتصادية الخالصة رغم أن الصراع كان حول إعادة توزيع الموارد المادية والتحكم بها، فقد كان ذلك وسيلة للتحكم بالتاريخية بدلاً من كونها غاية في حد ذاتها.

رغم ذلك فهو يقول إننا حالياً نعيش مرحلة الانتقال إلى المجتمع بعد الصناعي أو المجتمع المبرمج، فهناك تحول من التصنيع الثقيل إلى الصناعات القائمة على تقنية المعرفة، حيث يعد التعليم والتدريب والمعلومات والتصميم وغيرها أموراً مركزية ﻷجل الإنتاج، وفي مجتمع مثل هذا فإن التحكم بالمعلومات والمعرفة هو الرهان الآني والفوري للصراع الاجتماعي، فطبقة التكنوقراط هي الطبقة المهيمنة التي تشكّل ما يتعلق بتعريف مصالح المجتمع ككل من خلال التنمية التكنولوجية وإدارة المنظمات التي أسستها وتديرها.

بالنسبة لآلين تورين، هذا الأمر يؤدي إلى أشكال جديدة من الصراع الذي يكون ثقافياً أكثر من كونه اقتصادياً، الطبقة المعرضة لا تتكون فقط من العمال، ولكن جميع الذين يخضعون للتحكم التكنوقراطي نحو المستهلكين أو بشكل مبسط الطبقة العامة، وفقاً لتورين الصراعات الطبقية في المجتمع ما بعد الصناعي لم تعد باسم الحقوق السياسية أو حقوق العمال، إنها لم تعد متعلقة بصراعات الطبقة الاقتصادية، ولكن ﻷجل حقوق الأفرد في اختيار والتحكم بحياتهم.

الحركات الاجتماعية وتصارعها في الظروف الاجتماعية عند ألين تورين

من وجهة نظر تورين، إن الحركات الاجتماعية تتصارع حالياً بشكل مباشر حول الظروف الاجتماعية لتقرير المصير، فإن المجتمع المعاصر يعمل لذاته بشكل مباشر من خلال الثقافة إلى مدى أكبر عما كام من قبل، تعريفه للحراك الاجتماعي يوضح نظرته ﻷهمية التنافس الثقافي، الحراك هو سلوك الجهة الفاعلة موجهاً من قبل التوجهات الثقافية والمحددة داخل العلاقات الاجتماعية المعرفة من قبل العلاقات المتفاوتة مع الرقابة الاجتماعية لتلك التوجهات.

إنه يرى التحكم بالتاريخية على أنه ينطوي على التحكم بالوجهات الثقافية العظيمة بوسائل من خلالها تكون العلاقات الاجتماعية منظمة معيارياً، الصراع بين الحركات الاجتماعية الذي ينتج عنه تحول اجتماعي هو في الأساس صراع حول التفسيرات التي يتشارك بها طرفاً الصراع.

إذا لم تتشارك الجهات الفاعلة القيم نفسها في حس واضح ما يدعوه تورين محك الصراع، فلا يمكن اعتبار الصراع على أنه اجتماعي، من وجهة نظر آلين تورين إن الثقافات لا تقدم المحفزات للاجراءات الجماعية فحسب بتوجيه معياري إلى تلك الأمور كتقدم مضاد للتقاليد والشمولية ضد الخصوصية، إنها أيضاً هدف أساسي للصراعات الطبقية.


شارك المقالة: