الطابع الاجتماعي للممارسة الطبية في علم الاجتماع الطبي:
اتخذ الطب الشعبي الصورة البشرية المتفوقه، التي عبأتها التقاليد، وبالأخص في التعاطف مع المحتاجين والعجزة والمجانين، وقد فاق الطابع البشري الاجتماعي على المزاولة الطبية في كافة المستشفيات، وأيضاً على ارتفاع الأطباء العاملين فيها بالنسبة لعدد السكان، إن كنا نتقصى الإحصاءات السكانية.
وفي الحقيقة إن اسهام العرب في علم الاجتماع الطبي يرتقي في هذا المجال في اكتمال الطابع المؤسسي على مهنة الطب، وهو ما يقصد في علم الاجتماع بالتكوّن النظامي، ولذلك خضعت المزاولة الطبية لتطلع الرؤساء، فيشرفون على أعمل الكادر الطبي وأطبائهم وأيضاً كيفية تعامل الطبيب للمريض، وإيمانهم واخلاصهم للمزاولة المهنية، حيث يتم الأشراف عليهم من قبل رئيس اختصاصي يمتاز بالبراعة والتفوق والكفاءة والخبرة في الأداء المهني.
كذلك عين الخلفاء العباسيين وظيفة للأطباء كانت تختص بالنواحي الإنسانية والدينية في مهنة الطب، اشارة على ذلك أن الخليفة العباسي لم ينصب صاحبه المقرب له في هذا المهام، بل نصب طبيب يمتلك الكفاءة والخبرة المتفوقه ليمنع من فشل مزاولة المهنة، وقد كشف في عصر النهضة الفكرية العباسي إضافة لقب ثالت هو الأختصاصي المتفوق، إلى لقبي رئيس الأطباء.
ومن جانب آخر شددت الدولة العباسية على نشر الخدمات الصحية على الريف، ولذلك اشتمل التراث العربي الإسلامي لمسات كثيرة بشأن هذه السياسية الصحية، وهو ما يتفرع حالياً تحت اهتمامات علم الاجتماع الطبي ودراساته.
ولعل ما يثبت على شيوع الخدمات الصحية أمام كافة مستويات الشعب، أن هذه الخدمات انتشرت في كل ارجاء المجتمع العربي الإسلامي، وكل المصابين الذين يلجئون إلى المستشفيات، فقد كان المستوصفات يتقبل كل مصاب يحتاج إلى المعالجة بغض النظر عن لونه أو جنسه أو عرقه سواء كان ذكراً أو أنثى، وكان المصاب يأخذ العلاج مجاناً في المستوصف، وعند الخروج من المستوصف يقدم مبلغاً من المال، أما الذي يموت في المستشفيات، فإنه يجهز ويدفن على حساب المستشفيات ذاته، وتسدد مصاريف المستشفى كلها من الأوقاف الخاصة بها؛ ﻷن مدخلات هذه الأوقاف عديدة وكافية للقيام بحاجات المستشفى جميعها.
كما أن أطباء العرب أظهروا طبيعة ارتباط الطبيب بالمريض، وبالتالي قامو بتحديد قواعد قوية في علم الاجتماع الطبي تميل إلى موضوع الانتفاع من خدمات الرعاية الصحية، والطبقة الاجتماعية والخدمة الصحية.