العادات والتقاليد والقيم:
هناك العديد من الأشخاص الذين يقتنعون بأن العادات والطقوس والشعائر التقليدية هي ذاتها القيم حتى هذا الوقت، فالقيم التي تتعلق بالأخلاق هي ثابته منذ الأزل عند كل القبائل وفي كل الأديان والثقافات المختلفة، وهي قيم عظيمة إذا ما تقيد بها شعب أو أمة في الحد الأعلى النسبي إلا وصنع حضارة.
وفي نفس الوقت هناك بعض العادات والتقاليد التي لا تعتبر الاّ قيم أخلاقية سلبية ومتعاكسه للقيم الأخلاقية الإيجابية.
فالكرم، قيمة لفضيلة أخلاقية عظيمة ولكن عندما يتحول بفعل التقليد السلبي إلى تبذير ومبالغة في الإسراف، فإنه يصبح رذيلة.
وعادة ما ينشأ التقليد السلبي في المجتمعات الأقل وعياً وحضارة ليصبح مع مرور الزمن عادة مرغوبة بالرغم من سلبيتها وسوء فعلها.
وفضيلة الشجاعة تقع بين رذيلتي الجبن والتهور، وعندما نرى متهوراً يقود سيارته بسرعة خيالية يتجاوز بها كل السيارات بما يهدد سلامة الأشخاص، ويتنقل بها من جانب الى آخر، حتى تصبح تلك الظاهرة عادة عند من يقلدون بعضهم البعض.
فإن ذلك يدل على أن التفسير الخاطيء للرجولة والشجاعة يمنح المتهور الذي يعاني قلة الأخلاق واللامبالاة، أن يستغل جهله وقلة وعيه الحضاري وتفسيره الخاطيء لقوة الشخصية فينفس عن أمراضه بما يؤذي الأشخاص الآخرين.
فلا يوجد في المدن من يقوم بقيادة سيارته بتهور واستهتار بالشارع، لأنه مشبع بقيم احترام الآخر والمنجزات الحضارية، ناهيك عن قوة القانون التي تحمي الذوق العام والسلم الداخلي.
وأي شخص يسيء للطريق ويهدد سلامة الناس فعلى الذي يراه أن يدرك أن ذلك الإنسان يعاني من فقدان احترام نفسه وتجب معالجته فوراً وليس معاقبته.
ولأنها مزيج من العادات والقيم، فيعتقد أن كل العادات هي عبارة عن قيم وفضيلة، بل أن المجتمعات التي تعاني من قلة الوعي وعدم إدراك كيفية التمييز بين العادات والقيم.
وبسبب قلة الإدراك المعرفي وعدم التفكير المستقل، وانحسار القيم الأخلاقية، فإنه يجب أن تقدس فضيلة الشجاعة في الدفاع عن الحق وليس في الهجوم عليه، تعتقد المجتمعات التقليدية أن اللص شجاع وتسميه ذئباً وسبعاً يعتقد أن التعدي على حقوق الناس فضيلة.
وبما أن الأدب يعد جوهر الأخلاق، فإن قلة الأدب واستخدام عبارات السب والشتم وأساليب الحسد والغيرة وغيرها من السلوكيات السلبية والضارة بحياة المجتمع، تزدهر في المجتمعات التي تسيطر عليها العادات السلبية أكثر من تمسكها بالقيم الأخلاقية العظيمة.
حتى القيمة الأخلاقية للأمانة والمساواة، كثيراً ما نسمع عن حالات تسيء لقيمة الأمانة عند موظف يمارس فساداً إدارياً ينفع به غيره تحت مسمى عادة “الفزعة”، ولكن بما يضر بمصالح غيره، ونسمع عن من فرط في أداء دوره في مكان يمثل دور العدالة فيهمل أمور الناس، وقد أصبحت مخالفته لما تأمر به فضيلة العدالة عادة تدفعه أن لا يكون نزيهاً أو أميناً أو منضبطاً.
قد يقول البعض، لكن ارتكاب الجريمة لا يخص مجتمعاً بأكمله، بل هو واقع تعيشه كل المجتمعات على مر العصور والحضارات، وهذا شيء مؤكد. لكن الجريمة كحالة منبوذة وشاذة أخلاقياً وثقافياً في مجتمع ما، ليست كالجريمة في ثقافة لدى فئة ما تعتبرها فضيلة تأخذ بمرتكبها نحو الجنة.
وأعتقاد أن الجريمة لا تقتصر في ارتكاب القتل فقط، بل أنها تشمل كل شيء يعكر صفو دقائق الحياة، ويشوه جماليات الطبيعة، وكل ما يبث الضجيج والقبح والخرافة لتشويه وجدان الإنسان وحرف مسار التفكير السليم ليرى الأمور في صورة مقلوبة عكس واقعها الطبيعي.
والأخطر من ذلك هو عندما يصبح الإساءة لكل جماليات الحياة، عادات تسير مع كل شخص وتهدد أمنه وسلامته ويعتقد من يتلبسه تلك العادة المرضية أنه يمثل قيمة أخلاقية تبرزه كشجاع يعاني من نقص كرامة، أو ككريم يعاني من بخل معرفة، أو كقوي يعاني من عجز فكري يمنحه القدرة على العيش كإنسان بعقل وقلب.