فسحت أوروبا في العصور الوسطى تدريجياً لظهور أوروبا الحديثة، وذلك ما بين عامي 1300 و 1500 ميلادي، ودخلت العصور الوسطى في بعضها خلال تلك الفترة، مع فترة من التاريخ الأوروبي المعروفة بعصر النهضة، حول مناقشة التطورات الكبيرة التي حصلت للفن والتعليم خلال تلك الفترة.
الأحداث التي وقعت في أواخر العصور الوسطى:
توقف التقدم في أوروبا:
على الرغم من التقدم الذي حدث في ميدان الفن والتعليم، إلا أن هناك حقولاً أخرى في حضارة العصور الوسطى، بقيت على الحافة وأخذت بالتراجع، حيث تقدمت أوروبا اقتصادياً واجتماعياً، دون الانقطاع خلال العصور الوسطى الراقية، حيث استمر السكان بالتزايد بشكل ثابت وتوسعت الصناعة والتجارة توسعاً كبيراً، إلا أن جميع تلك التطورات انتهت جميعها، في القرن الرابع عشر ميلادي، حيث أخذ عدد السكان بالتناقص وساد التذمر بين الشعب وتقلصت الصناعة والتجارة في أوروبا.
حيث أدت الحروب والكوارث الطبيعية التي تعرضت لها أوروبا، دوراً كبيراً في توقف التقدم الأوروبي، فقد اندلعت حرب المائة عام بين إنجلترا وفرنسا، وقد أعاقت تلك الحرب التجارة واستنفذت اقتصاد الدولتين، كما أدى تحلل النظام الإقطاعي في أوروبا، إلى حروب أهلية في شتى مدن أوروبا، وقد قام الفلاحون بثورات دموية؛ من أجل الحصول على الحرية من السادة، كما قام العمال بالمدن بقتال التجار الأثرياء الذين أبقوهم فقراء بلا حول لهم ولا قوة.
وممّا زاد من شقاء الناس أيضاً، ما عرف بالموت الأسود، الذي أودى بحياة ربع سكان أوروبا تقريباً، ويعتبر الموت الأسود شكل من أشكال الطاعون الدبلي، وقد كان واحد من أسوأ الأوبئة، وكما عمَّت سنوات القحط القاسية والفيضانات والمرض والمجاعة.
تطور السلطات الملكية:
عمل انهيار النظام الإقطاعي في القرن الرابع عشر ميلادي إلى إضعاف النبلاء الإقطاعيين إلى حد كبير، وفي الوقت نفسه فإن الازدهار الاقتصادي قد أثرى الملوك، وذلك بمساعدة الجيوش المؤجرة، قام الملوك بفرض سلطاتهم على النبلاء، أما بالنسبة للمشاة الملكية والتي كانت مسجلة حديثاً بأقواس طويلة وبرماح، والتي كانت تسمى بالمدافع، فقد استطاعت أن تهزم جيوش الفرسان الإقطاعيين.
وفي الوقت نفسه، فإن الملوك ازدات قوتهم كثيراً، وذلك عن طريق كسبهم لمساندة الطبقى الوسطى في المدن، فقد وافق سكان المدن على مساندة الملك، وذلك عن طريق دفع الضرائب، مقابل الحصول على أمن وسلام وحكومة جيدة، وكان من نتيجة تلك التطورات، أنه تم ولادة أوروبا حديثة.
اضطرابات الكنيسة:
تنامت سلطة البابوات مع تنامي سلطة الملوك؛ الأمر الذي أدى إلى ظهور نزاعات كبيرة بين حكام الكنيسة وحكام الدولة، وقام رجال الكنيسة دوراً متزايداً في الشؤون السياسية، وكما قد كثر تدخل الملوك في شؤون الكنيسة، فقد كان أحياناً البابوات يتنازلون عن استقلالهم ويستسلمون للملوك، وقد حدث هذا وبخاصة بين عام 1309 و1377 ميلادي، وذلك عندما حكم الباباوات الكنيسة من مدينة أفينيون في فرنسا، وبعد أن عاد البابوات إلى روما، تمزقت الكنيسة، بسبب النزاعات القائمة حول انتخاب البابوات.
حيث وقتها كان يقوم اثنان أو ثلاثة بالإدعى بلقب البابوي، وقد الحقت تلك النزاعات الضرر بالكنيسة، كما أدت إلى توجيه النقد لشؤون الكنيسة والتعاليم الكنسية؛ ممّا أدت إلى ضعف الوحدة الدينية في أوروبا الغربية.
ظهور النزعة الإنسانية:
كان العلماء والفنانون في القرون الوسطى المتاخرة، أقل اهتماماً بالفكر الديني، وقد تركز اهتمامهم على فهم العالم والناس، وقد سميت وجهة النظر الجديدة بالنزعة الانسانية، وقد كان علماء الإغريق والرومان القدامى وفنانيهم قد ركزوا على الدراسات الإنسانية، أما علماء العصور الوسطى المتأخرة وفنانيهم، فقد أعادوا اكتشاف المؤلفات القديمة و استوحوا منها الهاماً، وبدأ حينه المعماريين في تصميم أبنية غير دينية، وقد قام الرسامين والنحاتين بتمجيد الإنسان والطبيعة في أعمالهم.
وقد كانت دراسة أعمال المؤلفين، الذين عاشوا في العصور السابقة للنصرانية، مدعاة للبهجة العلماء، وخلال العصور الوسطى المتأخرة، تزايد عدد كتاب الشعر والنثر باللغات المحلية، كاللغة الفرنسية واللغة الإيطالية، وليس باللغة اللاتينية، وقد فتح هذا الاستخدام المتزايد للغات المحلية، عصراً أدبياً جديداً للتعليم والأدب إلى عامة الشعب.
وتأثرت أوروبا تدريجياً بالمتغيرات السياسية والاقتصادية والثقافية، التي حدثت في العصور الوسطى المتأخرة، ومع أوائل القرن السادس عشر ميلادي لم يعد هناك عصر وسيط، إلا أن ثقافة العصور الوسطى ومؤسساتها ظلت تؤثر في التاريخ الأوروبي الحديث لفترات طويلة من الزمن.