العلاقة بين القدرات العقلية والدراسية والجريمة

اقرأ في هذا المقال


تم دعم العديد من الاتجاهات من خلال الأبحاث المعاصرة التي فحصت الصلات المحتملة بين التعليم والسلوك الإجرامي، حيث إنّ مستويات التعليم (الأعلى والأدنى) مهمة في إظهار السلوك الإجرامي التي تلقت دعمًا تجريبيًا، كما هو الحال بالنسبة لفكرة أنّ الأفراد الذين يعانون من صعوبات التعلم (وبالتالي ذوي التعليم والذكاء ومهارات التأقلم المنخفضة) هم أكثر عرضة للسلوك العنيف.

السببية بين التعليم والجريمة

السبب الرئيسي لهذه الروابط هو النمط السببي المترابط للأحداث التي تحدث في التعلم وفي التعليم، حيث إنّ التحصيل الدراسي ينبئ بشكل عام بالسلوك الاجتماعي الإيجابي والمعين على أنّه يدعم القيم الأخلاقية للمجتمع، وقد يجادل معظم الناس بأنّ التحصيل الدراسي يتنبأ بالسلوك الاجتماعي الإيجابي؛ لأنّه في معظم المجتمعات يرتبط التحصيل الأكاديمي بالعديد من المتغيرات الأخرى، مثل النجاح المالي والثقة بالنفس العالية والموقع الداخلي للسيطرة.

كما قد يفسر هذا النموذج المعين السبب وراء الفكرة العامة القائلة بأنّ الأفراد ذوي معدل الذكاء المرتفع لديهم عمومًا ميول أقل للسلوك الإجرامي من الأفراد ذوي معدل الذكاء المنخفض، وغالبًا ما تستند التحقيقات في العلاقة بين السلوك الإجرامي ومعدل الذكاء -الذي يرتبط مع التحصيل الدراسي بشكل طردي في أغلب الأوقات- إلى الفرضية العامة القائلة بأنّ الحصول على معدل ذكاء أعلى يؤدي إلى سهولة التحصيل في المدرسة.

ويرتبط الأداء الأكاديمي الجيد بالعديد من العوامل المجتمعية أيضًا، فقد لا ينجح الأفراد ذوو معدل الذكاء المنخفض على المستوى الأكاديمي، مما قد يؤدي إلى انخفاض احترام الذات وليس النجاح المالي، مما يؤدي إلى زيادة التصرف تجاه السلوك الإجرامي، ويبدو أنّ هذا يسلط الضوء على أهمية التأكيد على التعليم ومعالجة قضايا صعوبات التعلم في سن مبكرة لمنع أو على الأقل تخفيف هذه السمات السلبية، وبالتالي منع السلوك الإجرامي في المستقبل وما ينتج عنه من معدلات الجريمة المتزايدة.

مناهج تفسير العلاقة بين الذكاء والجريمة

العلاقة بين مستوى ذكاء الفرد المرتبط بالتحصيل الدراسي العالي وسلوكه الإجرامي هي منطقة معقدة للغاية ومثيرة للجدل، وغالبًا ما يجد البحث التجريبي أنّ معدل الذكاء والجريمة مرتبطان سلبًا في الواقع، أي كلما زاد أحدهما قل الآخر، وتندرج التفسيرات لهذا بشكل عام في ثلاثة مناهج:

1- معدل الذكاء والجريمة مرتبطان بشكل زائف وليس سببيًا.

هناك أيضًا حجج شعبية ضد حاصل الذكاء كسبب للجريمة، فيجادل بعض العلماء بأنّ اختبارات الذكاء الموحدة تقيس فقط معرفة وقيم الطبقة الوسطى بدلاً من الذكاء البشري الفطري، ونتيجة لذلك فإنّ حقيقة أنّ معظم الأقليات والسكان الفقراء يحصلون على درجات أقل في اختبارات الذكاء يعكس ببساطة خلفياتهم الثقافية المتنوعة، وهذه المجموعات نفسها ترتكب جرائم أكثر نسبيًا لأنّها تعاني من عيوب هيكلية مثل الفقر والتمييز.

وبالتالي فإنّ نفس الأشخاص الذين حصلوا على درجات منخفضة في اختبارات الذكاء يميلون أيضًا إلى ارتكاب المزيد من الجرائم، حيث إن معدل الذكاء والجريمة مرتبطان تجريبيًا، وبالتالي فإنّ هذا الارتباط ليس سببيًا ولكنه يعكس فقط اختبار الذكاء المتحيز ثقافيًا.

2- انخفاض معدل الذكاء يزيد السلوك الإجرامي.

هناك اختلاف في هذه الحجة يقول أنّ العيوب الهيكلية التي تزيد من معدلات الجريمة تقلل أيضًا من الفرص التعليمية، وبالتالي تقلل من قدرة الأفراد وتحفيزهم على إحراز درجات جيدة في اختبارات الذكاء، ويجادل العديد من الباحثين بأنّ الارتباط بين معدل الذكاء والجريمة يحدث فقط لأنّ كلاهما متجذر في العيب البنيوي والذي يمثل من الناحية الإحصائية ارتباطًا زائفًا في أحسن الأحوال.

وعلى الرغم من أنّ هذه الفرضيات من النوع التمييزي لها جاذبية واسعة، إلّا أنّها تلقت القليل من الدعم إلى حد ما في الدراسات التجريبية، لأنّ معدل الذكاء والجريمة مرتبطان بشكل كبير داخل مجموعات العرق والفئة وكذلك عندما يتحكم المرء إحصائيًا في العرق والفئة والقدرة على إجراء الاختبار و الدافع لإجراء الاختبار.

3- السلوك الإجرامي يقلل في الواقع معدل الذكاء.

هناك حجة أخرى ضد معدل الذكاء كسبب للجريمة، وهي أنّ معلمي المدارس والإداريين يعاملون الطلاب بشكل مختلف وفقًا لتصوراتهم عن ذكاء الطلاب، وبالتالي إعطاء تسميات سلبية وفرص تعليمية أقل لأولئك الذين يرون أنّهم أقل ذكاءً، وهذه التسميات والفرص المقيدة بدورها تنتج مشاعر الاغتراب والاستياء التي تقود الطلاب نحو أقرانهم المنحرفين والسلوك الإجرامي.

وعلى هذا النحو فإنّ رد فعل المجتمع على الذكاء وليس أي خاصية للذكاء نفسه يزيد السلوك الإجرامي، ولسوء الحظ اختبرت دراسات قليلة هذه الفرضية من نوع الوسم بشكل كافٍ (أي أنّ هذا الانحراف مشتق من تصنيف وسوء معاملة أفراد معينين).

الفرص التعليمية والعودة للجريمة

بالنظر إلى الجوانب المختلفة لهذه المناقشة يجادل العديد من الناس بأنّه يجب على حكومة الولايات المتحدة على سبيل المثال، استئناف سياستها طويلة الأمد المتمثلة في الإفراج عن جزء من منح بيل (المنح التعليمية للطلاب) وأنواع أخرى من المساعدات المالية للأفراد المسجونين المؤهلين، وهم يجادلون بأنّ فوائد مثل هذه الممارسة (التخفيضات في معدلات العودة إلى الإجرام) ستفوق دائمًا الاحتجاجات العامة ضد مثل هذه الجهود (بحجة أنّ هذا يقلل من الأموال المتاحة للأفراد غير المسجونين).

تركز الحجج المؤيدة للمنح على أنّ استئناف هذه السياسة من شأنه أن يقلل بشكل كبير من معدلات النكوص ويوفر ملايين الدولارات كل عام، ومرة أخرى يبدو أنّ هناك إجماعًا ساحقًا بين العديد من الناس على أنّ التعليم بعد الثانوي هو الطريقة الأكثر نجاحًا وفعالية من حيث التكلفة لمنع الجريمة.

ومع ذلك غالبًا ما يصبح هذا مثيرًا للجدل عندما يبدأ المرء في تطبيق هذه الأفكار على الأشخاص الذين ارتكبوا بالفعل أعمالًا إجرامية، ويوجد أكثر من 1.5 مليون فرد في منشآت إصلاحية للبالغين في الولايات المتحدة، وتصوّر وزارة العدل الأمريكية المجرمين عمومًا على أنّهم فقراء وغير متعلمين قبل السجن، وداخل السجون الأمريكية العديد من السجناء البالغين أميون والعديد منهم أميون وظيفيا.

التعليم والعوامل الاجتماعية والنفسية والديموغرافية

قد يجادل معظم الباحثين بأنّ العوامل الاجتماعية والنفسية والديموغرافية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالعودة إلى الإجرام، ويُطلق سراح معظم الأشخاص من السجن إلى مجتمعات غير مهرة وغير متعلمة ومن المرجح بشدة أن يتورطوا مرة أخرى في الجريمة، ومعدلات النكوص في الولايات المتحدة مرتفعة بشكل غير عادي، وعلى الرغم من أنّ التعليم في السجون قد وجد أنّه الأداة الوحيدة الأكثر فعالية لخفض معدل العودة إلى الإجرام، فإنّ هذه البرامج تكاد تكون معدومة اليوم، وقد يجادل الكثيرون أيضًا بأنّ تعليم السجون أكثر فاعلية في الحد من العودة إلى الإجرام من المعسكرات أو السجن الصدمي أو التدريب المهني.

كبح الجريمة بين منهج الصرامة والفرص التعليمية

استجابةً لخوف الرأي العام المتزايد من الجريمة والدعوة لمزيد من الإجراءات العقابية لمكافحة هذا الخوف، شجع العديد من المشرعين وصانعي السياسات على بناء المزيد من السجون وسن تشريعات عقوبات أكثر صرامة وإلغاء البرامج المختلفة داخل السجون، ومع زيادة معدلات إعادة الاعتقال بشكل شبه يومي من الواضح أنّ السجن وحده لا ينجح في الولايات المتحدة مثلًا، وفي الواقع أدت منهجية الصرامة، والتي تدفع نحو المزيد من الحبس والعقاب والقيود المفروضة على الأنشطة المتاحة للسجناء غالبًا إلى القضاء على الاستراتيجيات والبرامج التي تسعى إلى منع أو تقليل الجريمة.

كما أظهرت الأبحاث باستمرار أنّ التعليم الجيد هو أحد أكثر الأشكال فعالية لمنع الجريمة، وأنّ المهارات التعليمية يمكن أن تساعد في ردع الشباب عن ارتكاب أعمال إجرامية، بالإضافة إلى تقليل احتمالية قيام الناس بذلك بشكل كبير، والعودة إلى الجريمة بعد إطلاق سراحه من السجن.

على الرغم من أن هذا دليل على فعاليتها غير العادية، فقد تم إلغاء البرامج التعليمية في المرافق الإصلاحية تمامًا في كثير من الحالات، فتم تم إيواء الأغلبية في مرافق إصلاحية للبالغين وحجز الأحداث في الولايات المتحدة، وسيتم إطلاق سراح غالبية هؤلاء الأفراد في مجتمعات غير ماهرة وغير متعلمة، ومن المرجح بشدة أن تصبح منخرطة في النشاط الإجرامي، ومع عودة العديد من المجرمين السابقين إلى السجن يبدو من الواضح أنّ النهج العقابي القائم على الحبس لمنع الجريمة لم يعمل كأساس لسياسة العدالة الجنائية في أمريكا.

لذلك لا ينبغي أن يكون مفاجئًا أنّ الكثير من الناس يجادلون بأنّ البلد بحاجة إلى تعزيز السياسات والإجراءات الناجحة، فيمكن للتعليم لا سيما على مستوى الكلية أن يمنح الأفراد فرصًا لتحقيق حياة منتجة وخالية من الجريمة والحفاظ عليها والمساعدة في إنشاء مجتمعات أكثر أمانًا للجميع.

المصدر: رؤوف عبيد، أصول علمي الإجرام والعقاب (دار النهضة العربية، القاهرة 1985).إيناس محمد راضي (19-9-2015)، "الجريمة"، University of Babylon ، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017. أ. د. محمد جبر الألفي (20-10-2016)، "ماهية الجريمة الجنائية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.سعد الراشد (27-1-2015)، "أسباب الجريمة وطرق مكافحتها"، الجماهير، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2017.


شارك المقالة: