العوامل المؤثرة على واقع المسؤولية الاجتماعية:
1- الصعوبات الإدارية:
إن المشروعات الصناعية لا تختلف فيما بينها حول مبدأ المسؤولية الاجتماعية، فالمسائل الدقيقة لا توجد في المسؤولية الاجتماعية كمبدأ، وإنما توجد في الاعتبارات الإدارية العملية المتصلة بطبيعة الأنشطة الداخلة في مضمونها وكيفية ممارستها.
ويقول ملفن آشن أن المديرين ذوي الحساسية اتجاه التغيرات التي حدثت في البيئة المحيطة بمشروعاتهم يواجهون صعوبات إزاء تحديد نوعية البرامج الاجتماعية التي يمكن لمشروعاتهم أن تنفذها بكيفية إيجابية وفعالة.
ولذلك نشأت بعض المشكلات أو الصعوبات ذات الطبيعة العملية، بعضها يرجع إلى وضع بعض المسائل الإدارية المتصلة بالمسؤولية الاجتماعية في موقع جديد، وبعضها الآخر يرجع إلى الصفقات الخاصة التي تميز المسؤولية الاجتماعية كأهداف اجتماعية مفيدة، وتسير هذه المشكلات في ثلاث مراحل أساسية تتابع بتتابع السلم الإداري داخل أي مشروع صناعي.
2- طبيعة دوافع المشروعات الصناعية ومغزاها:
إن طبيعة الدوافع التي تحرك المشروعات الصناعية تجاه مسؤوليتها الاجتماعية تعطي مغزى عميقاً لمدى فهمها لها وتمسكها بها وحرصها عليها، إلى جانب ما تعطيه من مغزى عميق لمدى ثبات الأسس التي تقوم عليها أيديولوجيتها كإطار عام لهذه المسؤولية الاجتماعية.
وقد انتهى الباحثان الأمريكيان فيرنون بهار وشيتي في دراستهما إلى عدد من النتائج التي توضح أبعاد هذه النقطة ويمكن إيجازها فيما يلي، أولاً أنها تحتل المصالح الذاتية المكانة الأولى كدافع للمشروعات الصناعية، ثانياً يأتي الالتزام القانوني للمشروعات الصناعية في المرتبة الثانية من دوافعها بصفة عامة، ويعادل المصالح الذاتية في قوتها كدافع أول في الأنشطة المتصلة ببيئة المجتمع المحلي بصفة خاصة، وتجد كثير من الأنشطة دافعها في التشريعات القانونية الملزمة للمشروعات الصناعية.
ثالثاً يلي ذلك خلق الصورة الحسنة لهذه المشروعات الصناعية كدافع ثالث، ويعني هذا الدافع دعم سمعة المشروع ومظهره وصورته العامة، ويحتل الربح المكانة الرابعة كدافع للمشروعات الصناعية، لأنها تعتبر أن الزيادة في الربح تتحقق أساساً من امداد المستهلكين بسلع وخدمات جيدة، وأخيراً يأتي الخوف من المتاعب المستقبلة في المكانة الخامسة كدافع للمشروعات الصناعية.
3- تأثير دوافع المدراء ومواقفهم:
إذا كانت المؤسسات والمنظمات ليست إلا وسائل لتحقيق غايات وضعتها مجموعة من البشر فإنه من اليسير علينا أن نتصور أهمية دراسة وتحليل دوافع المدراء ومواقفهم، كعامل من العوامل المؤثرة على واقع الممارسة الفعلية للمسؤولية الاجتماعية، ذلك لأنها تعطينا تصوراً واضحاً للخلفية النفسية والاجتماعية المشكلة لهذا الواقع، وبالتالي تعطينا تفسيراً منطقياً مقبولاً لكثير من الأسباب التي أدت إليه.
ونجد أمامنا هنا دراستين، إحداهما للباحثان الأمريكيان فريدريك استيرديفانت وجيمس جينتر وهي تتجه إلى تحليل القيم الإنسانية للمديرين كدوافع مؤثرة على اتجاههم نحو المسؤولية الاجتماعية لمشروعاتهم، والأخرى لليمان أوستليند، وهي تحاول اثبات تأثير مواقف المديرين من المسؤولية الاجتماعية لمشروعاتهم ونوعية الأنشطة التي تتضمنها الممارسة الفعلية لها وأولوياتها.
ولذلك فإن الدراسة الثانية تكمل الأولى، فإذا كانت الأولى تحدد الدوافع المحددة لاتجاههم السلبي أو الإيجابي من المسؤولية الاجتماعية، فإن الثانية تبين كيف تتحكم مواقفهم في نوعية اتجاه مشروعاتهم نحو المسؤولية الاجتماعية بعد أن يقرروا الأخذ بهذه المسؤولية الاجتماعية، ولذلك فإن فهم هذه العلاقة بين الدراستين لن يكون واضحاً إلا على ضوء النتائج التي انتهينا إليها من دراستنا لواقع المسؤولية الاجتماعية والعوامل المؤثرة فيه.
4- عدم وضوح العائد الاقتصادي:
إن الربط بين الربح والمسؤولية الاجتماعية يخرج مفهوم المسؤولية الاجتماعية عن مضمونها، ولا يتوافق مع الظروف التي دعت إليها والأهداف التي تسعى إليها، فهي لم تظهر كمبدأ أو كفلسفة من زاوية اقتصادية، بمعنى أنها لم تظهر لتخدم أهدافاً اقتصادية، ولكنها ظهرت من زاوية اجتماعية أي لتخدم أهدافاً اجتماعي، وليصبح للمشروعات الصناعية كيان اجتماعي إلى جانب كيانها الاقتصادي التقليدي، على أساس نظرة جديدة تتلائم مع الظروف الاجتماعية المتطورة، مضمونها أن المشروعات الصناعية ليست إلا أفراداً معنوية شأنها شأن الأفراد العاديين، لكل منهم حقوقه وعليه واجباته داخل إطار من التكافل الاجتماعي أو التضامن الاجتماعي الذي يعطي للمجتمع كله نمواً متزناً.
5- عدم وجود أسلوب علمي لقياس النتائج:
لعل أهمية هذه النقطة كعامل مؤثر على واقع الممارسة الفعلية للمسؤولية الاجتماعية تتضح على ضوء النظرة المادية السائدة للمشروعات الصناعية إلى المسؤولية الاجتماعية وعدم وضوح العائد الاقتصادي لها، ففي غياب منهج علمي متكامل تستطيع به هذه المشروعات أن تقيس النتائج التي تعود عليها من ممارستها للأنشطة المعبرة عن مسؤوليتها الاجتماعية، حتى تتأكد من مدى مساهمتها في تقدمها الاقتصادي، تفقد المسؤولية الاجتماعية في نظر هذه المشروعات الصناعية أهم دوافعها، ويصبح النشاط العشوائي المتسم بالتردد بين الاقدام والاحجام من أهم سماتها.