اقرأ في هذا المقال
- القانون من منظور علم الاجتماع
- الفرق بين التضامن الآلي والتضامن العضوي عند دور كايم
- نشأة القانون التعويضي داخل المجتمعات عند دور كايم
القانون من منظور علم الاجتماع:
اهتم كثير من علماء الاجتماع بدراسة القانون، فقد قام دور كايم بدراسة العلاقة بين القانون وبين التكامل الاجتماعي، في دراسته عن تقسيم داخل المجتمع، فتقسيم العمل عند دور كايم ليس مجرد ظاهرة اقتصادية فحسب، ولكنه أحد الملامح الأساسية للتنظيم الاجتماعي، فقد حاول تفهم المجتمع الحديث من خلال مقارنته بالمجتمعات التي تحتل مرحلة أولية في التطور الاجتماعي.
وميز دور كايم في هذا الصدد بين نموذجيين من التضامن الاجتماعي، هما النموذج الميكانيكي والنموذج العضوي، وأوضح هذا العالم أن كل نوع من هذين النوعين من التضامن يرتبط بنوع متميز من القانون.
الفرق بين التضامن الآلي والتضامن العضوي عند دور كايم:
فالتضامن الآلي يقوم في جوهره على أساس التشابه والشعور بالولاء والذاتية المشتركة، وعلى أساس وحدة الضمير الجمعي، ويصف دور كايم ذلك التضامن الذي يقوم على هذا الأساس بالآلية، نتيجة ﻷنه يشبه التضامن الذي يقوم بين أجزاء المواد غير العضوية كالمعادن مثلاً، وذلك على العكس من التضامن الذي يقوم بين مكونات البناء العضوي.
أما التضامن العضوي فإنه يقوم في جوهره على أساس التمايز الوظيفي، كما هو الحال بالنسبة للجسم الحي، فالكائن الحي يتسم بوجود مجموعة من الأعضاء المتباينة وظيفياً، والتي تحقق في مجموعها نوعاً من التكامل الوظيفي، وهذا التباين هو الذي يؤدي إلى الاعتماد المتبادل بين الأجزاء وإلى استمرار الحياة ذاتها.
ويستهدف الضبط الاجتماعي القانوني في مرحلة التضامن الآلي الحفاظ على النظام الرمزي القائم ودعمه، فوحدة الجماعة تتأكد عندما يقابل أي عمل انحرافي ينتهك ما هو مقدس في نظر الجماعة، بالعقاب الصارم.
وعندما نقارن بين نموذج القانون السائد في المجتمعات التقليدية التي يسودها التضامن الآلي، وبين ذلك النموذج القانوني الذي يسود في المجتمعات الحديثة التي تقوم على أساس التضامن العضوي، نجد أن القوانين في المجتمعات الأولى هي قوانين الجرائم، بمعنى أنها تحاول الحفاظ على ما هو مقدس، وتعتبر أن أي سلوك لا يتفق مع معايير الجماعة، عملاً إجرامياً.
فلم تكن القوانين القديمة تهتم بالضرورة بأنواع الإيذاء الفردي حتى القتل، وإنما كانت تركز على ما يرتكب من مخالفات ضد الدين أو العادات أو السلطة، ولتأكيد وحدة الجماعة والحفاظ على وحدة ضميرها الجمعي فقد كانت المجتمعات ذات التضامن الآلي تلجأ إلى القانون العقابي وإلى العقوبات القامعة.
نشأة القانون التعويضي داخل المجتمعات عند دور كايم:
ومع ظهور التضامن داخل المجتمعات، ذلك الذي يقوم على تقسيم العمل، نشأة نوع جديد من القوانين وأصبحت سائدة، وهذا النوع الجديد هو ما يطلق عليه دور كايم القانون التعويضي، أو هو قانون التعاون، ويستهدف القانون التعويضي عند دور كايم استعادة التوازن الاجتماعي، وذلك من خلال جعل الإنسان وحدة كلية، والشكل التقليدي للقانون التعويضي هو التعاقد، فالشخص الذي لا يلتزم بالعقد الذي هو طرف فيه لا يعاقب، وإنما يطالب بدفع تعويض عن الخسائر التي تسبب في وقوعها نتيجة عدم التزامه.
ويعتقد دور كايم أن القانون الذي يسود داخل المجتمعات المتضامنة عضوياً هو قانون عقلي رشيد يتناسب مع استقلال الإنسان وحرية إرادته، ويرتبط كل من هذين النوعين من القوانين بأخلاقيات معينة، فالقانون القامع يعد تعبيراً عن الأخلاق الجمعية أو العامة، أما القانون التعويضي فإنه يعبر عن أخلاقيات التعاون، ﻷنه يحاول أن يقرب بين الجماعات والمهن المتخصصة والمختلفة وظيفياً، ولكنه يحقق الوحدة الشاملة بالشكل المتعسف الذي يحققه القانون الأول.
ولقد كان دور كايم على وعي بعدم وجود أي من هذين الشكلين من التضامن الآلي داخل مجتمع قديم أو حديث، بدائي أو متقدم ففي كل مجتمع نوع من التكامل الوظيفي ومن القانون العقابي بالضرورة، وما أراد دور كايم أن يؤكده هو أن القانون الحديث أصبح أكثر اهتماماً بفكرة التعويض، بسبب تقدم الصناعة والتجارة، أو تقدم العلاقات الاقتصادية بوجه عام، وتبرز أهمية نظرية هذا الباحث في إدراكه للعلاقة بين نماذج القوانين ونماذج التضامن الاجتماعي، أو ربط القوانين بالتغيرات الاجتماعية والثقافية.
وقد تناول العديد من علماء الاجتماع الظاهرة القانونية بالدراسة والبحث، مثل الباحثان فسدني سمبسون ورث فيلد، يذهبان إلى إمكانية النظر إلى القانون على أنه أحد جوانب ثقافتنا التي تستخدم قوة المجتمع المنظم في ضبط وتوجيه السلوك الفردي الجماعي، ومنع أو تقويم الانحراف وعقاب المنحرفين عن المعايير الاجتماعية المتفق عليها داخل المجتمع، ويذهب الباحث يتماشيف إلى أن النظام القانوني هو جزء من النظام الاجتماعي، ﻷنه على القوة الاجتماعية التي يطلق عليها القانون، في صياغة السلوك الاجتماعي طبقاً للنماذج المقررة والتي يحميها أولئك المتخصصون في الحفاظ على النظام داخل المجتمع.