الروابط القائمة بين اللغة والثقافة:
جميعاً نلاحظ طبيعة الروابط القائمة بين الثقافة واللغة، وقد يرجع زمن هذه الروابط إلى المدة الزمنية التي سبقت القرن الثامن عشر، فمن الأمثلة على ذلك الشعوب الإغريقة القدامى، كانوا يميزون بين الشعوب ذات الطابع المتقدمة وبارباروس أولئك الذين يميلون إلى الثرثرة، أي أولئك الذين يتكلمون لغات غير مفهومة.
فنظراً لوجود الكثير من الجماعات التي تتحدث بلغات متنوعة، وكانت بعض من اللغات التي يتحدثونها غير مفهومة، لذلك يعدّ ذلك الأمر دليلاً واضحاً على الاختلافات الثقافية أكثر من كونه من السمات الثقافية الأخرى الأقل وضوحاً، ويرى بعض أنصار الحركات الثقافية في نهايات القرن الثامن عشر مثل هوردر، Herder وندت Wundt وهومبولت Humbolt، أن اللغة ليس فقط باعتبارها واحدة من بين العديد من السمات الثقافية، بل كوسيلة للتعبير المباشر عن الطابع الوطني للشعوب.
ولكن بشكل معزول إلى حد ما، اللغة ليس فقط يمكن اعتبارها سمة من بين الكثير من السمات الثقافية، بل يمكن اعتبارها كميزة معينة للتوضيح عن المدى الثقافي للشعوب، أي كافة الأفراد اللذين ينتمون جميعهم إلى شعب واحد، فلدى كل منهم ثقافته الوطنية والتي يعبر عنها من خلال لغته الخاصة.
كذلك فقد كان للعالم العالم فرانيز بواس “Franz Boas”، مؤسس بعض من علوم الثقافة الأميركية، وجهة نظر معينة كغيره من الرواد الألمان، بالنسبة لأمر اللغة المشتركة بين الجماعات الدولية، على اعتبارها بأنها الناقل الأساسي لثقافتهم العامة، حيث كان أيضاً العالم بواس هو أول علماء الاجتماع الذين اعتبروا أنه من غير الممكن دراسة ثقافة الشعوب الأجنبية من دون التعرف على لغتهم الخاصة.
وبالنسبة لمجموعة من العلماء، فكان يعتقد البعض منهم بالنسبة لأمر الثقافة الفكرية لشعب ما انشأها وتقاسمها وحافظ عليها هو أمر استخدام اللغة الأم للشعب، مما يعني أن فهم لغة مجموعة ثقافية ما هو إلا بمثابة المفتاح لفهم ثقافتهم في الوقت نفسه.
كذلك هذا الأمر يوضخ ذلك أبرز المعانى المهمة، وهو أن الجماعات التي تنتمي إلى أصول ثقافية مختلفة قد يتكلمون بلغة ما مشتركة بعض الشيء، وكذلك بعض الأفراد اللذين يتحدثون بلغة مختلفة تماماً يمكن أن يشتركون بعض الشيء في بعض السمات الأساسية ذات الطابع الثقافي ذاته، هذا ويقترح مجموعة من العلماء الآخرين أن شكل اللغة يساعد أفراد الشعوب بشكل كبير جداً قي تحديد بعض السمات الثقافية الخاصة.
مفهوم الحتمية الثقافية:
وهذا الأمر يشابه بعض الشيء لمفهوم الحتمية الثقافية، التي جاء في مضمونها على أن شكل اللغة يساعد الأفراد على تحديد الفكر لهم، وبينما بعض علماء الاجتماع بنفسهم رفضوا وجود علاقة سببية بين اللغة والثقافة، وقد ذهب بعض ممن تناقلوا أسلوب بعض من هؤلاء العلماء قي التفكير إلى تبنى فكرة أن الأنماط الاعتيادية من التحدث والتفكير بلغة معينة قد تؤثر على ثقافة مجموعة لغوية ما، حيث يعد هذا الاعتقاد وثيق الصلة بنظرية النسبية اللغوية.
كذلك العالم بواس كان من علماء الثقافات الحديثة، وكان ذو ميول إلى الثقافات التي تعمل على الدمج بين الرابطة القوية بين اللغة والثقافة، والجملة التي جائت، كما وضعها العالم بيلورف، اللغة والثقافة تكوّنتا معاً في آن واحد، وفي الأمر الواقع إن أصل اللغة، والذي يفهم على أنه قدرة الإنسان على التواصل عن طريق الرموز المعقدة، وكذلك منشأ الثقافة المعقدة غالباً ما يعتقد أنهما يتشابهان في نفس الأصل هو نفس العملية التطورية للإنسان البدائي.
وفي الأمر الواقع يجب العلم والإلمام الكامل بأمر اللغة والثقافة، والذي يفهم على أنه عبارة عن إمكانية الفرد على عملية التواصل عن طريق رموز معينة يتداولها الأفراد فيما بينهم، وكذلك معرفة منشأ الثقافة المعقدة غالباً ما يعتقد أنهما يشتركان في نفس الأصل، والأصل لها يعتبر نفس العملية التطورية للإنسان البدائي ومن ثم فإنه يمكن وصف كل من اللغة والثقافة على حد سواء كوسيلة لاستخدام الرموز في بناء الهوية الاجتماعية.
ومن أبرز الأمور أيضاً التي كانت تنتج من علاقة اللغة بالثقافة، الهدف الذي يسعى إلى الحفاظ على الترابط الاجتماعي في نطاق ثقافية لا يمكنها أن تعتمد بشكل رسمي على مسارات بناء المجتمع التي ظهرت قبل ظهور البشر، وذلك بسبب كبر حجمها، ولأنه يعدّ كل اللغة والثقافة على حد سواء في جوهرهما أنظمة رمزية، فقد قام المنظرون الثقافيون في القرن العشرين بتطبيق مسارات تحليل اللغة التي تطورت في ضوء علم اللغويات من أجل تحليل الثقافة.