المداخل المنهجية في علم الاجتماع الطبي:
نظراً للاهتمام بموضوع الصحة والمرض، فإنه يجب استعمال المداخل المنهجية التي تتناسب مع طبيعته، وتساهم في بيان أبعاده وجوانبه، ومن أهم هذه المداخل المنهجية:
1- المدخل الإكلينيكي:
وهو مدخل منهجي يستند على معارف الطبيب وخبراته الطبية، وبالتالي فإن الباحث في هذا المجال يركز على معرفة الأسباب الطبية التي تؤدي إلى حدوث المرض، وأهم طرق العلاج والاستشفاء، هو النموذج الذي يستقي منه الباحث مادة بحثه، مما يدفعنا إلى تسمية المزاولة الطبية في هذه الحالة يسمى بالنموذج الميكانيكي الحيوي، حيث أن الطب الحديث يكون خاضع للتوجه العلاجي، ولذلك تكون غايته الأولى في المعالجة بالأدوية، وتبدأ الاستشارة الطبية بوصف الأعراض، وبالتالي تعتبر المشاعر الخاصة للمريض، وانطباعاته عن آلامه، أقل أهمية من أية أعراض أو علاقات عضوية تظهر للطبيب عن طريق المعالجة والملاحظة، أو الفحوص والاختبارات.
فإذا كان الموضوع خطيراً، فقد يأخذ الطبيب عينات من جسم الإنسان المريض لفحصها أو يطلب اختبارات ميكانيكية كالأشعة مثلاً للبحث عن تنميط للمشكلة، إذن فالاهتمام في هذا المدخل يتضمن في استدماج الأسباب العضوية التي تساعدنا على الفهم الشامل للجسم البشري، وهذا ما يفسر لنا استبعاد ما يشعر به المريض من آلام في عملية التشخيص.
بالإضافة إلى ذلك أن محتوى الاستشارة الطبية يتقيد في وصف الأعراض وفحص بعض الأعضاء والعينات من الجسم، دون أن نشير من قريب أو بعيد إلى الهوية الاجتماعية للمصاب ومهنته وحالته الزواجية وموقع العمل والدخل، وإذا تطرق القول إلى هذه الموضوعات، فإنه يأتي بمحض الصدفة.
2- مدخل علم الأوبئة ودراسة المرض:
إذا كان المدخل الإكلينيكي يسيطر عليه الطابع المنفرد، بحيث يلعب فيه الطبيب أو الباحث دور ميكانيكي الأبدان، فإن مدخل علم الأوبئة يستند على المنظور الجماعي، أي أنه يركز على دراسة الجماعات، واستعمال الصحة في فهم المرض، والتركيز على جماعات ممثلة للمجتمع ككل، دون التركيز على المرضى وحدهم، كذلك يساهم أنصار هذا المدخل إلى معرفة هذا المرض، وظروف والأسباب التي أدت إلى انتشاره، وأي الجماعات والفئات الاجتماعية أكثر عرضه للإصابة به، وفي أية بيئة يكون ذلك.
ومن جانب آخر يركز مدخل علم الأوبئة بالتعرف على الأمراض التي لم يتوصل إليها المعرفة البشرية، ولم يعرف مسبباتها وطرق انتشار عدواها، وإذا كان الطب لا يتمكن من معالجة الأمراض المعاصرة، فلا بدّ عليه أن يركز بالطريقة الوقائية، ﻷن المداخل الوقائية تسترجع اكتشاف المواضيع الأكثر انتشاراً على مدى القرن العشرين وفي نهايتها أن مسببات المرض كامنة أصلاً في طبيعة الحياة الاجتماعية، وأن هذه الحياة يمكن الارتقاء بها لو اتبعنا التدابير الوقائية ضد الأمراض عامة، الأمراض الوبائية بنحو خاص.
3- مدخل دراسة معدلات الوفيات:
يعتبر تباين معدلات الوفيات تحولاً متبايناً بين المجتمعات من جانب، وبين الطبقات الاجتماعية في المجتمع الواحد من جانب آخر، كما يبيّن هذا التباين عن مضمون اجتماعي وثقافي يسيطر في تعين قدر هذه المعدلات، ولذلك فإن تقدير احتياج المجتمع إلى الخدمات الصحية، ونوع التخطيط الصحي الحالي، ونوعية الخدمات الصحية نفسها، تتعلق كلها بمغزى توضيحات معدلات الوفيات وتباينها من مجتمع إلى آخر.
والملاحظ أن معدلات الوفيات تستند بالمقام الأول على السجلات الصحية لحالات الوفاة، وعلى التعداد الدقيق للمواطنين، وفي هذه الحالة نحصر عدد حالات الوفاة التي حدثت خلال مدة زمنية معينة بالنسبة لعدد المواطنين لنحصل على المعدل المئوي أو الألفي، وقد تتاح هذه الإحصاءات والسجلات، وقد لا تتوافر بصورة ثابتة وصادقة، مما يشوه معدلات الوفيات ويزيفها، ويهتم علماء الاجتماع باجراء مقارنات حول تباين هذه المعدلات في أماكن متنوعة من العالم، وعلى مستوى المجتمع الواحد، من أجل الكشف عن علاوة الوفاة بالمتحولات الاجتماعية والثقافية، وهذا أفضل ما يساعد به علماء الاجتماع الطبي، إذ إنهم يفصحون عن كيفية ارتباط معدلات الوفاة بالتحولات الديموجرافية كالعمر والشكل والجنس ومكان الإقامة والعمل، والتحولات الاجتماعية، كالطبقة والتعليم والبيئة، والتحولات الثقافية كالعادات والأخلاق والقيم وغيرها.
4- مدخل دراسة معدلات المرض:
يستند المدخل المنهجي على التعرف على العلاقة بين التحولات الاجتماعية وبين الإصابة بالأمراض، وذلك عن طريق بعض الأساليب المنهجية المساعدة ومنها، السجلات الطبية، ويلجأ الباحثون في علم الاجتماع الطبي إلى هذه المدونات الطبية بالقطاعات الصحية المتنوعة للتعرف على عدد المرضى وعدد المترددين عليها، وعلى نوع المرض ذاته، وأيضاً الزيارات المنزلية للتعرف على أنواع الأمراض التي تنتشر بين المواطنين، والأعراض التي يعانون منها، كذلك تقييم الأطباء للعلاج الطبي عن طريق المسموح والدراسات الميدانية للمواطنين، للتعرف على معدلات المرض، ومدى انتشاره في المجتمع المحلي.