أهم المدارس النظرية التي درست المشاكل الاجتماعية

اقرأ في هذا المقال


بالتأكيد تم الاستعانة بالعديد من المدارس النظرية لمواجهة وتحليل ومعالجة المشاكل الاجتماعية، ومن هذه المدارس النظرية للمشاكل الاجتماعية هي مدرسة التفاعل الرمزي ومدرسة الشذوذ ومدرسة المجموعة المرجعية.

أهم المدارس النظرية لدراسة المشاكل الاجتماعية

مدرسة التفاعل الرمزي للمشاكل الاجتماعية

كمصطلح يعنى مؤيدي مدرسة التفاعل الرمزي أن فهمهم للمشاكل الاجتماعية ينشأ من ما يفعلونه عندما يتفاعلون ومن استخدامهم وتفسيرهم للرموز المختلفة المدرجة في تفاعلهم، ووفقًا لعلماء مدرسة التفاعل الرمزي فإن النظام الاجتماعي ممكن لأن الناس يتعلمون ما تعنيه الرموز المختلفة، ويطبقون هذه المعاني على أنواع مختلفة من المواقف.

وتنظر مدرسة التفاعل الرمزي إلى المشكلات الاجتماعية على أنها ناشئة عن تفاعل الأفراد، وهذا التفاعل مهم من ناحيتين مهمتين:

أولاً، غالبًا ما يتم تعلم السلوكيات التي تنطوي على مشاكل اجتماعية مثل الجريمة وتعاطي المخدرات من التفاعل مع الأشخاص الذين ينخرطون في هذه السلوكيات، وتبنى مواقفهم التي تبرر ارتكاب هذه السلوكيات وتعلم أي تقنيات خاصة قد تكون ضرورية لارتكاب هذه السلوكيات.

ثانيًا، غالبًا ما يتم تعلم أيضًا التصورات عن مشكلة اجتماعية من التفاعل مع الآخرين، الذين تؤثر تصوراتهم ومعتقداتهم على تصورات المرء ومعتقداته.

ولأن التفاعل الرمزي يؤكد على إدراك المشاكل الاجتماعية فإنه يتماشى بشكل وثيق مع وجهة نظر البناء الاجتماعي، وكلا المنظورين يؤكدان على الطبيعة الذاتية للمشاكل الاجتماعية، ومن خلال القيام بذلك فإنهم يذكرون بأن التصورات غالبًا ما تكون مهمة على الأقل بقدر أهمية الواقع الموضوعي في تحديد ما إذا كانت حالة أو سلوك معين يرتفع إلى مستوى مشكلة اجتماعية وفي أنواع الحلول الممكنة التي قد تفضلها الأطراف المختلفة لمجتمع معين كمشكلة.

مدرسة الشذوذ للمشاكل الاجتماعية

مدرسة الشذوذ هي مدرسة اجتماعية أخرى معروفة تهدف إلى المساعدة على الفهم المشاكل الاجتماعية مثل مشكلة الجريمة والانحراف، وهي لعالم الاجتماع السير ميرتون حيث أشار ميرتون في دراسته للهيكل الاجتماعي والشذوذ أن معظم الناس هم ما أسماه بالامتثاليين، من حيث أن لديهم القانون والفرص المتاحة لهم لتحقيق أهداف المجتمع مثل المال والقوة والهيبة.

ومع ذلك هناك آخرون في المجتمع بسبب ظروفهم الاجتماعية واجهوا فرصًا مسدودة أثناء محاولتهم لتحقيق أهداف المجتمع، وبسبب هذه الفرص المحجوبة فهم أكثر عرضة لاستخدام وسائل غير قانونية لتحقيق أهداف المجتمع، ودعا عالم الاجتماع السير ميرتون هؤلاء الناس بالمبدعين، فهؤلاء الناس يصبحون مبتكرين لأن ظروف المجتمع التي يعيشون فيها تجعل استخدامهم أكثر صعوبة للوسائل القانونية لتحقيق أهداف المجتمع، وسوف تساعد مدرسة الشذوذ لميرتون على فهم الانحراف الذي يحدث في المجتمع بسبب المحظور من الفرص التي يخلقها الهيكل الاجتماعي الحالي لمجموعات معينة من الأشخاص.

وستساعد استخدام مدرسة الشذوذ على التفكير في كيفية تغيير الهيكل الاجتماعي لإعطاء المزيد من الفرص القانونية للناس، كما تعطي المزيد من الفرص القانونية للأشخاص الذين ليس لديهم هذه الفرص حاليًا، وتفتح بابًا آخر يساعد في حل المشاكل الاجتماعية.

مدرسة المجموعة المرجعية للمشاكل الاجتماعية

مدرسة أخرى من شأنها أن تساعد على فهم المشاكل الاجتماعية وكيفية حلها هي مدرسة المجموعة المرجعية وهذه المدرسة النظرية تقول أن البشر جميعًا يشيرون إلى مجموعات معينة في حياتهم ليقرروا كيف يفعلون ذلك وكيف يفكرون ويشعرون ويتصرفون، وعادة ما يستخدمون كمجموعات مرجعية مختلفة المجموعات العائلية ومجموعة من الأصدقاء وفرق أخوية أو نادي نسائي أو بعض المنظمات الاجتماعية الأخرى، وبينما هم أعضاء في بعض هؤلاء قد لا يكونوا أعضاء في مجموعات أخرى.

ومع ذلك لا يزال بإمكانهم الرجوع إليها وتحديد كيفية التصرف والتفكير والشعور، وهذه المجموعات سواء كانت كذلك أم لا يمكن أن تكون إيجابية أو سلبية، وبغض النظر ما زالت مجموعة الأسرة هي المجموعة المرجعية الرئيسية التي يتم الرجوع إليها بطريقة معينة، على سبيل المثال تم التعلم البعض منهم أن يراعوا الجميع بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الدين أو التوجه الجنسي، وأن يتصرفوا بهذه الطريقة قد يكون الأفراد الآخرون علمتهم أسرهم أن يكونوا متحيزين وأن يمارسوا التمييز.

والمثير للدهشة أنهم يفكرون ويشعرون ويتصرفون بشكل مختلف عما يفعلون، ولا تقول مدرسة المجموعة المرجعية أن الشخص يتصرف بالطريقة التي كان عليها بالضبط يُدرس من قِبل المجموعات المرجعية التي لديه، لكنها تقول إنه سيشتير هذه المجموعات في تحديد كيفية التصرف والتفكير والشعور، فعند تذكر أن العوامل الاجتماعية الخارجية في الحياة لا تحدد تمامًا طريقة التفكير، فهم يتصرفون ويشعرون لكنهم يميلون إلى أن يكون لهم تأثير كبير عليهم حتى على الرغم من إنهم لا يدركون دائمًا مثل هذا التأثير.

أي أن قوانين المجتمع وقيمه ومعتقداته وعاداته خارجة عن عقول المرء عندما يولد، ولكن من خلال عملية التنشئة الاجتماعية يتم وضع المشاكل الاجتماعية في أذهانهم وتؤثر عليهم أكثر مما يدركون، وفي معظم الأوقات يمر المرء بحياته اليومية ولا يدرك كيف يتأثر كثيرًا بما تعلمه من قِبل مجموعاته المرجعية.

الافتراضات الرئيسية للمدارس النظرية للمشكلات الاجتماعية

1- الاستقرار الاجتماعي ضروري لمجتمع قوي، والتنشئة الاجتماعية الكافية والاندماج الاجتماعي ضروريان للاستقرار الاجتماعي، وتؤدي المؤسسات الاجتماعية في المجتمع وظائف مهمة للمساعدة في ضمان الاستقرار الاجتماعي، والتغيير الاجتماعي البطيء أمر مرغوب فيه لكن التغيير الاجتماعي السريع يهدد النظام الاجتماعي.

2- يتميز المجتمع بتفشي عدم المساواة على أساس الطبقة الاجتماعية والعرق والجنس وعوامل أخرى، وهناك حاجة إلى تغيير اجتماعي بعيد المدى لتقليل أو القضاء على عدم المساواة الاجتماعية وخلق مجتمع قائم على المساواة.

3- يبني الناس أدوارهم أثناء تفاعلهم لإنهم لا يتعلمون فقط الأدوار التي حددها لهم المجتمع، فعندما يحدث هذا التفاعل يتفاوض الأفراد على تعريفاتهم للمواقف التي يجدون أنفسهم فيها ويبنون واقع هذه المواقف اجتماعيًا، وفي القيام بذلك يعتمدون بشكل كبير على الرموز مثل الكلمات والإيماءات للوصول إلى فهم مشترك لتفاعلهم.

البيانات الموجودة حول المدارس النظرية للمشاكل الاجتماعية

في بعض الأحيان لا يقوم علماء الاجتماع بجمع البيانات الخاصة بالمدارس النظرية للمشاكل الاجتماعية ولكن بدلاً من ذلك يقومون بتحليل البيانات الموجودة التي تم جمعها مسبقاً، على سبيل المثال يقوم العديد من علماء الاجتماع بتحليل بيانات التعداد حول المشكلات الاجتماعية مثل مشكلة الفقر والبطالة والمرض، وقد يقوم علماء الاجتماع المهتمون بمشكلة الجريمة ونظام العدالة الجنائية بتحليل البيانات من سجلات المحكمة، بينما يقوم علماء الاجتماع الطبي غالبًا بتحليل البيانات من سجلات المرضى في المستشفيات.

وتحليل البيانات الموجودة مثل هذه يسمى تحليل البيانات الثانوية، وميزته لعلماء الاجتماع هي أن شخصًا آخر قد أنفق بالفعل الوقت والمال لجمع البيانات، والعيب هو أن مجموعة البيانات التي يتم تحليلها قد لا تحتوي على بيانات حول جميع الموضوعات التي قد يهتم بها عالم الاجتماع أو قد تحتوي على بيانات حول مواضيع لا يتم قياسها بالطرق التي قد يفضلها عالم الاجتماع.

وبدأ علماء الاجتماع بالتأكيد على ضرورة البحث السليم عن المدارس النظرية في دراسة المشكلات الاجتماعية، لكن ما هي عناصر البحث السليم؟ كحد أدنى، يجب أن يتبع هذا البحث قواعد المنهج العلمي، فإن هذه القواعد كصياغة الفرضيات، وجمع البيانات واختبارها، واستخلاص النتائج، وما إلى ذلك تساعد في ضمان أن ينتج البحث استنتاجات ممكنة أكثر دقة وموثوقية عن أبرز المدارس النظرية للمشاكل الاجتماعية.

والمبدأ الغالب عند علماء الاجتماع هو أن البحث يجب أن يتم بشكل موضوعي قدر الإمكان، إذ غالبًا ما يكون الباحثون شغوفين بعملهم، لكن يجب عليهم الحرص على عدم ترك النتائج التي يتوقعونها وحتى يأملون في الكشف عنها تؤثر على كيفية إجراء أبحاثهم، وهذا بدوره يعني إنه يجب عليهم عدم إجراء أبحاثهم بطريقة تساعد في تحقيق النتائج التي يتوقعون الحصول عليها، ويمكن أن يحدث هذا التحيز دون وعي، وتساعد الطريقة العلمية في تقليل احتمالية هذا التحيز قدر الإمكان.

ويمكن القول إن هذه الإمكانات أكبر في العلوم الاجتماعية منها في العلوم الطبيعية والفيزيائية، حيث لا تؤثر الآراء السياسية للكيميائيين والفيزيائيين عادةً على كيفية إجراء التجربة وكيفية تفسير نتائج التجربة، في المقابل غالبًا ما يكون لدى الباحثين في العلوم الاجتماعية، وربما في علم الاجتماع بشكل خاص، مشاعر قوية حول الموضوعات التي يدرسونها، وبالتالي قد تؤثر معتقداتهم الاجتماعية والسياسية على كيفية إجرائهم لأبحاثهم حول هذه الموضوعات وكيفية تفسيرهم لنتائج هذا البحث، ويساعد اتباع الطريقة العلمية في تقليل هذا التأثير المحتمل.


شارك المقالة: