المسؤولية الاجتماعية الشاملة كاتجاه أيديولوجي:
يقصد بالاتجاه الأيديولوجي كل طرائق التفكير التي تكوّن العناصر المحدودة لشخصية المشروع الصناعي فهو الذي يحدد كيفية التوفيق بين المصالح الخاصة للمشروع والمصالح العامة لجماهيره، وهو الذي يحدد أيضاً الأهداف والقيم التي توجه المشروع وعلى أساسها يقاس نجاحه وأهميته في المجتمع، وهو الذي يحدد كذلك كيفية تعامل المشروع مع جماهيره وقدرته على المواجهة الإيجابية لاحتياجاتها ومتطلباتها.
غير أن المسؤولية الاجتماعية لم تنشأ كاتجاه أيديولوجي مستقل، وإنما نشأت كجزء من الأيديولوجية الرأسمالية التي تعتنق المجتمع الأمريكي لإكسابها مرونة في مواجهة الظروف والمتغيرات الاجتماعية، وهذه الحقيقة تجعلنا نضع عدداً من الاعتبارات التي ينبغي أن ننظر من داخلها إلى المسؤولية الاجتماعية كاتجاه أيديولوجي ملائم لمواجهة الظروف والمتغيرات الاجتماعية في المجتمعات المعاصرة بصفة عامة، خاصة وأنها قد تتبع أيديولوجيات تختلف إلى حد التناقض مع الأيديولوجية الرأسمالية للمجتمع.
وهنا نجد أن الارتباط بين المسؤولية الاجتماعية والأيديولوجية الرأسمالية في المجتمع، لم يكن ارتباطاً حتمياً، وإنما جاء هذا الارتباط لعمق جذور الأيديولوجية التقليدية في هذا المجتمع، فلم يكن من السهل إحلال أيديولوجية حديثة مكان أخرى قديمة ومتأصلة في النفوس والعقول، والدليل على ذلك أن المسؤولية الاجتماعية جاءت بأفكار تتعارض في كثير من جوانبها مع تلك الأفكار التي تقوم عليها الأيديولوجية التقليدية كالموقف من التدخل الحكومي والموقف من العاملين، هذا من ناحية.
كما أن السلبيات التي انتهت إليها المسؤولية الاجتماعية فكراً وتطبيقاً في هذا المجتمع ما هي إلا نتيجة للصراع بين أفكار حديثة تشق طريقها إلى داخل النفوس والعقول مع أفكار قديمة مترسخة داخلها، وهذا من ناحية ثانية، وهذا يعني أن المسؤولية الاتجاه الأيديولوجي أكثر ارتباطاً والتصاقاً بالظروف والمتغيرات الاجتماعية الداعية إليه من ارتباطه بالإطار الأيديولوجي الذي بدى كجزء منه.
ويدعم هذا الاستنتاج المغزى الذي تشير إليه المسؤولية الاجتماعية كمواجهة لظروف ومتغيرات اجتماعية لها طبيعتها، فهي ليست إلا عقيدة كان ينبغي أن تغرس في النفوس والعقول منذ بداية التطور الصناعي في العصر الحديث ولو حدث ذلك ما شاهدنا كل الآثار السلبية لهذا التطور سواء في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة أو المجتمعات النامية، والتي شكلت إطاراً اجتماعياً داعياً إلى هذه المسؤولية الاجتماعية، لأنها كانت ستؤدي إلى أن يكون هذا التطور آمناً ومتزناً وسليماً.