المسؤولية الاجتماعية في النمط الإداري في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


المسؤولية الاجتماعية في النمط الإداري في علم الاجتماع:

تطور الفكر الإداري ﻷيديولوجية الصناعة خلال الثلاثينات من القرن العشرين، عندما أحس أصحاب المشروعات الصناعية بالفجوة التي بدأت تتسع بين النمط التقليدي ﻷيديولوجيتهم والواقع الذي أصبحت عليه الصناعة، ولقد ساهمت الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت سنة 1929، وما صاحبها من مشكلات عمالية واستهلاكية في دفع هذا الاتجاه وتقويته.

ولعل من أهم المتغيرات في واقع الصناعة، خلال تلك الفترة هو انفصال الإدارة عن الملكية والذي انتهى بسلطة اتخاذ القرارات إلى أن تستغرق في أيدي طبقة من المديرين المفوضين والمتحررين بدرجة كبيرة من تأثر المساهمين ومجالس الإدارات، وبروز أهمية تقلبات الإنتاج وتكاليف البيع والإعلانات كأبعاد جديدة مؤثرة على مصالح المشروعات الصناعية إلى جانب المنافسة، وكبر حجم هذه المشروعات، وتركيز الإنتاج في أيدي القلة، مما أثار الشكوك حول حرية المنافسة كما تصورها أنصار الفكر التقليدي ﻷيديولوجية الصناعة.

وقد أدت هذه المتغيرات الهامة في واقع الصناعة إلى الإحساس بأن الفكر التقليدي لم يعد قادراً على مواجهة المشكلات الاقتصادية التي جدت، وإن الحاجة إلى فكر متطور يحول دون وقوع كارثة أخرى كتلك التي حدثت سنة 1929، مما مهد السبيل أمام ظهور النمط الإداري ﻷيديولوجية الصناعة، والذي تدعم خلال الأربعينات والخمسينات من هذا القرن.

ولكن ليس معنى ذلك أن الفكر الإداري حل محل الفكر التقليدي كلية، وإنما الأصح القول بأن الفكر الإداري جاء تطويراً للفكر التقليدي، فقد أدخل عليه تعديلات وإضافات جديدة، كما أن الفكر الإداري، وإن كان يمثل الآن عقيدة عند كثير من المديرين التنفيذيين في المشروعات الصناعية الكبيرة، إلا أنه ينتشر ببطء بين المستويات الإدارية الأخرى.

ويمكن أن نرجع أصول الفكر الإداري للصناعة الأمريكية إلى الأبحاث التي قامت بها لجنة التطور الاقتصادي التي تشكلت سنة 1942، ومن الدراسات التي قام بها المفكرون الاقتصاديون من أمثال مكزي وكوردنير وغيرهم، ولكن هذه الأبحاث والدراسات جميعها لا تصل إلى ما وصلت إليه حرارة المفكرين المدافعين عن الفكر التقليدي خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وعموماً نستطيع أن تحدد الخطوط العريضة للنمط الإداري ﻷيديولوجية الصناعة التي قدمتها لنا هذه الأبحاث والدراسات المشار إليها:

الخطوط العريضة للنمط الإداري للأيديولوجية في علم الاجتماع:

1- قبول نوع من المشاركة الحكومية على أساس أنه ليس هناك ما يبرر الخصومة بين المشروعات الصناعية والحكومة، فإلى جانب ما قد ينتج عن هذه الخصومة من أضرار مخيفة، فإن الظروف المتغيرة في المجتمع تتطلب التعاون بين الصناعة والحكومة في المسائل التي كانت من قبل من تخصص كل منها، ومع ذلك ليس هناك اتفاق تام حول هذا المبدأ، لما يثيره من شكوك وتخوف من نتائج التدخل الحكومي في شؤون الصناعة.

2- التأكيد على أهمية المشروعات الصناعية الكبيرة، ﻷن الحاجة أصبحت تدعو إليها، فبدونها ينزل المجتمع الأمريكي إلى الدرجة الثانية ويعاني الأمريكيون من انخفاض مستوى المعيشة، ومعنى ذلك أن المنافسة سوف تتغير طبيعتها لاختلافها في حالة المشروعات الكبيرة والقليلة العدد عنها في حالة المشروعات الصغيرة والكثيرة العدد.

3- قبول تنظيمات العمل والعمال والتخفيف من الهجوم على النقابات والاتحادات العمالية، وعلى الرغم من النظرة الأكثر اتزاناً إلى هذه التنظيمات إلا أن أصحاب الفكر الإداري لا يزالون يعتبرون مواقف الفكر التقليدي اتجاه هذا الموضوع أساسية، ولذلك يعتبر هذا الموضوع عن المجالات التي لم يتناولها الفكر الإداري بالقدر الكافي.

4- التأكيد على القيم الإنسانية فيما يتعلق بالعاملين، فعلى كل مشروع صناعي أن يتيح الفرص أمام العاملين للتطور والترقي حتى لا يشعروا بفقدهم لذاتهم خلال العمليات المعقدة للتنظيم، ويرى أصحاب الفكر الإداري للصناعة أن ما يجعل المشروعات الصناعية حية ومتطورة، هو أن تقوم على أناس يتصفون بالحيوية لتحقق أكبر قدر من التجانس بين مصالحهم ومصالحها.

5- لم يعد الربح المتزايد هو الهدف الرئيسي للمشروعات الصناعية، كما هو الحال في الفكر التقليدي، وإنما اقترن به كهدف رئيسي التزامات اجتماعية أخرى، فالمدير الناجح الناجح هو الذي يستطيع أن يكسب ثقة أصحاب المشروع الصناعي كما يكسب ثقة العاملين إلى جانب ثقة المجتمع كله، وذلك لانحيازه للتوازن بين مصالح المساهمين والعاملين والمستهلكين وكل الجماهير النوعية الأخرى بصفة عامة.

ويتضح هنا من تحليل الخطوط العريضة للفكر الإداري للصناعة أنه ليس فكراً مستقلاً تماماً عن الفكر التقليدي لها، وإنما هو تطوير له، بحيث يمكن القول أن الإطار الأيديولوجي للصناعة خلال تلك الفترة تكون أساساً من المبادئ التي قام عليها النمط التقليدي مضافاً إليها التعديلات والأبعاد التي أدخلها النمط الإداري، لكي تستطيع الأيديولوجية الصناعية أن تواجه التغيرات التي حدثت في المجتمع.


شارك المقالة: