لا يمكن تحديد تاريخ الاهتمام بموضوع الشيخوخة من ناحية ولا تحديد تصور واضح لوضع المسنين ومكانتهم الاجتماعية، ونظرة المجتمع لكبار السن ونظرتهم ﻷنفسهم من ناحية ثانية، ولكن يمكن التأكيد أن هذه القضية كانت ماثلة للإنسان في أقدم العصور، يؤكد ذلك ما نجده في أقدم الحضارات الإنسانية التي خلفت أثراً مكتوباً كالحضارة الإغريقية والفرعونية والرومانية.
المسنون والشيخوخة في الحضارات القديمة
تركت بعض الحضارات القديمة كالحضارة الفرعونية والإغريقية واليونانية بعض الشواهد المباشرة أو من خلال الصور والمواقف التي حفلت بها التراجيديا والميثولوجيا الإغريقية واليونانية، والتي تؤكد اهتمام هذه الحضارات بقضية الشيخوخة بغض النظر عن إيجابية الاتجاهات أو سلبيتها أو المواقف من الشخيوخة والمسنين.
الحضارة الفرعونية التي شيدت الأهرامات قبوراً لملوكها، وابتدعت وسائل التحنيط للحفاظ على الجسد بعد الموت، كانت تنطلق من فلسفة تمجيد الجسيد وتعظّم شأن الحياة، وﻷن الموت قد ارتبط بالكبر والهرم، فمن المتوقع ألا تكون النظرة إلى الشيخوخة نظرة إيجابية في الحضارة الفرعونية، ولعل ما عبر عنه أحد فلاسفة هذه الحضارة ما يعكس الرؤى العامة لهذه الحضارة حيال الشيخوخة والمسنين، لقد اعتبر هؤلاء الفلاسفة أن الشيخوخة من أعظم المصائب التي يمكن أن تصيب الإنسان.
نظرة أفلاطون إلى الشيخوخة والمسنين
فلاسفة الإغريق اختلفوا في نظرتهم إلى الشيخوخة والمسنين، فأفلاطون وهو أحد دعائم الفلسفة الإغريقية أخذ موقفاً إيجابياً من الشيخوخة والمسنين إلى حد أنه دعا إلى أن توضع مقاليد الأمور السياسية في أيدي كبار السن؛ ﻷن التربية من وجهة نظره لا تؤتي ناضج ثمارها قبل سن الخمسين، أي إن ما يعد سن الخمسين من العمر، هو أوان وزمن العطاء ومستودع الخبرة والحكمة.
وأفلاطون بذلك يعد من المناصرين لما يسمى بحكم المسنين، وعلى النقيض من موقف أفلاطون تجاه الشيخوخة والمسنين يرى أرسطو أن التقدم في العمر يؤدي إلى انحطاط قوى ومقدرات الفرد.
لقد حاولت دي روميلي من خلال قراءة تحليلية للتراجيديا الإغريقية استخلاص نظرة الإغريق من خلال هذا الأثر الفني وخاصة ما كتبة إسخيلوس في نهاية القرن السادس قبل الميلاد، وما كتبه سوفوكليس في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد، فالشيخوخة في أعمال الأول تعني الحكمة والعدالة والتبصر، مع التنبيه على ما يصاحب الشيخوخة من ضعف.
ولكن هذا الضعف الجسمي لا يؤثر على القدرات العقلية، ولا يؤثر على القوى الروحية للمسنين، فيما أخذ الثاني موقفاً مغايراً حيث اعتبر الشيخوخة حدثاً كريهاً وفترة انحطاط في القوى الجسمية والعقلية والحسية، واعتبر أن السعادة والحياة الحقيقية هي مرحلة الشباب.
وفي العصور الوسطى وهي الفترة الممتدة من عام 1300م إلى عام 1500م لا نجد إلا القليل من الشواهد التي تعطي تصوراً عن وضع المسنين وقضية الشيخوخة بصفة عامة خلال هذه الحقبة التاريخية، وتؤكد الوثائق المتاحة أن هذه الفترة قد شهدت تغيرات جذرية في الجانب السكاني، حيث تعرض السكان لانتشار الأمراض الوبائية كالطاعون، كما تعرضت لسنوات من الجدب والمجاعات، لقد أدت هذه العوامل إلى ارتفاع نسبة الوفيات، وبالتالي ضآلة نسبة كبار السن.
ويمكن استقراء بعض المصادر غير المباشرة كالقصص والأساطير لتصور وضع المسنين والاتجاهات نحو الشيخوخة والمسنين، ولعل التصور العام والانطباع الكلي عن الشيخوخة في هذه الحقبة التاريخية أن الشيخوخة تعني القبح والضعف والضلال، وهناك العديد من الأساطير والقصص والأغاني الشعبية والتي تم تدوينها خلال القرنين الثالث عشر والخامس عشر الميلادي.
أحد هذه الأساطير على سبيل المثال تزعم أن قتل المسنين كان تقليداً تمارسه جميع المجتمعات البشرية في قديم الزمان، وأن عدم إقدام الأبناء على قتل آبائهم يعد خروجاً ومخالفة للقانون، وترى هذه الأسطورة أن أحد الأبناء أشفق على أبيه ولم يستطع قتله كما يؤكد على ذلك القانون، وقام بإخفائه على سطح منزله.
واهتم بغذائه والعناية به معرضاً نفسه للعقاب، في هذا الوقت أصاب هذه البلاد جدب شديد، وبدأ الناس يأكلون كل ما كانوا يختزنوها بذوراً لزراعتها في الموسم القادم، وأن هذا الشاب لما نفذ كل ما لديه من طعام حاول أخذ الذور التي اختزنها للموسم القادم، ولكن والده نصحه ألا يفعل بل عليه أن يلقي هذه البذور في الأرض ولقد امتثل الأبن لمشورة والده.
وفي وقت قصيراً جداً خارقاً للعادة نّما الزرع بسرعة مذهلة، وأثمر محصولاً كبيراً جداً أشبه بالمعجزة، نظر الناس إلى ذلك الإعجاز وعرفوا القصة، وأن بمشورة والده المسن واعتقدوا أن تلك المعجزة كانت بسبب رضا الله عن هذا الشاب البار، ثم بسبب حكمة هذا المسن، ومنذ ذلك الوقت لم تعد الناس تمارس قتل المسنين.