مشكلة الشباب في العالم العربي
تعتبر مشكلة الشباب في العالم العربي إحدى القضايا الهامَّة والأساسية باعتبار أنَّ الشباب يشكِّلون الطاقة البشرية والحيوية القادرة على القيام بعمليات النهضة والتنمية وذلك من الانطلاق من التعليم والتربية والثقافة والإعلام والقيم الدينية والاجتماعية ، وتُقدر نسبة الشباب في العالم العربي بحدود 20% من مجمل سكَّان العالم العربي (أي ما يُقارب 50 مليون شاب وشابة) ، إن هذا العدد الكبير يتطلَّب منَّا دراسة أوضاع الشَّباب والوقوف عند همومهم وطموحاتهم باعتبار أنَّ الشَّباب هم الرصيد الاستراتيجي وهم الثروة الحقيقية.
ما هي مشاكل الشباب
إنَّ واقع الشَّباب في العالم العربي يعاني من جملة أزمات ، فقد أدَّت التغيرات الاجتماعية في العصر الحديث إلى خلل في الأسرة العربية والإسلاميَّة ، بعد أن غزت الثقافات الوافدة من خارج الإسلام إلى أبناء الإسلام فأدَّت إلى بعض التصدعات داخل الأسرة ، الأمر الذي غيَّر من شكل العلاقات الأسرية والاجتماعيَّة حيث اهتزَّت بعض القيم والمبادئ لدى الشباب وظهرت هموم ومشكلات نبرز من أهمها ما يلي :
1- الفراغ التربوي عند الشباب :
أصبحت العلاقات بين الأسرة الواحدة ضعيفة جداً وهامشيَّة مشيراً إلى أنَّ العلاقة بين الأسر وأعضائها أصبحت علاقة جوار وقتي عند النوم ، وأحياناً عند الطَّعام ، فمثلاً توجد علاقة تربط الأبناء بالآباء والأزواج بالزوجات كما رسمها الدين الإسلامي ، فقد نقلنا عن الغرب كل ما يُهدِّد الأسرة المسلمة ، والشباب هم أكثر فئات المجتمع العربي تأثيراً بالفراغ التربوي ممّا انعكس على بنيتهم النفسية والعقلية وتوجهاتهم الثقافية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية والقومية، ولعلَّ ذلك من مظاهر الفراغ التربوي لدى الشباب .
2- أزمة التعليم وظاهرة الأميّة الحضاريَّة :
ويقدَّر عدد الطلاب في العالم العربي لكافَّة المراحل بأكثر من 60 مليون طالب عام 1990م ، وقد يتجاوز العدد 75 مليون ، إنَّ هذا العدد الضخم سلاح ذو حدين فإنْ استطعنا أنْ نحقِّق تعليماً فعّالاً يتفق مع حاجات المجتمع ويلبي طموحات خطط التنمية ، ويُساير التغيرات والتطورات العالمية ، فإنَّ كل ذلك سيُحدِث ثورة اجتماعية واقتصادية في غضون سنوات محدَّدة ، بشرط أن لا يبقى حال التعليم في العالم العربي على وضعه الرَّاهن ، فالعالم العربي يعيش تراجعاً مستمراً في دخله القومي .
ويُتوَقَّع له مزيداً من التراجع بسبب عوامل عديدة داخلية وخارجية ، اذ أن خريجي التعليم على مختلف مستوياتهم سيشكلون مزيداً من العبء على المجتمع بكامله ، وبدلاً من أن يقودوه إلى الأمام فإنَّهم سيكونون عائقاً لتقدُّمه وتطوُّره وبخاصَّة وأنَّ عدد خريجي الجامعات يزداد بصورة كبيرة، إنَّ أهمَّ ما يُعيق التعليم هو ضعف الإنفاق عليه في العالم العربي ، لذلك لابدَّ من إعادة ترتيب الأولويات في الإنفاق ووضع العملية التعليمية في المراتب الأولى حتى يصبح للتعليم دلالته القيميَّة إذا أصبح هو هدف الشباب في ظل الفراغ التربوي ، هو الحصول على الشَّهادة ، وبذلك أصبح الأسلوب السَّائد هو أسلوب الحفظ والتلقين ، وغياب النقاش والحوار ، ومن هنا ظهرت أميَّة الحضارة إن لم يكن التخلُّف الحضاري .
3- البطالة عند الشباب:
يرتبط مفهوم البطالة بوصف حالة العاطلين عن العمل وهم قادرون عليه ويبحثون عنه ، إلا أنَّهم لا يجدونه ، ويعتبر مفهوم البطالة من المفاهيم التي أَخذت أهميَّة كبيرة في المجتمعات المعاصرة من البحث والتحليل ، لذا استحوذ موضوع البطالة بشكل رئيسي على اهتمام أصحاب القرارات السياسية ، وكذلك على اهتمام الباحثين الاجتماعيين أو الاقتصاديين ، بوصفه موضوعاً يفرض نفسيه بشكل دائم ومُلِح على الساحة الدولية ، لهذا لا تكاد تصدر دورة علمية متخصِّصة ذات علاقة بعلم الاقتصاد والاجتماع والجريمة إلّا وتتعرَّض لموضوع البطالة .
4- حجم البطالة ونسبتها عند الشباب:
يتحدد حجم البطالة من خلال احتساب الفارق بين حجم مجموع قوَّة العمل وحجم مجموع المشتغلين ، أمّا نسبة البطالة فتحسب بقسمة حجم البطالة على إجمالي قوَّة العمل مضروباً في مئة ، وذلك وفقاً للمعادلة التالية :
نسبة البطالة =(حجم البطالة /إجمالي قوَّة العمل) × 100
إن نسبة القوى العاملة في العالم العربي هي من النسب المتواضعة مقارنة مع الدول المتقدمة التي تتراوح فيها نسبة القوى العاملة 50% من مجمل السُّكان ، بينما في العالم العربي لا تتجاوز 26.5% من مجمل السكان .
أثر البطالة على الشباب والمجتمع
1- الجانب النفسي للشباب:
تؤدي البطالة عند الشباب إلى التعرُّض لكثير من مظاهر عدم التوافق النفسي والاجتماعي ، إضافة إلى أنَّ كثيراً من العاطلين عن العمل يتصفون بحالات من الاضطرابات النفسية والشخصية ، فمثلاً يتَّسم كثير من العاطلين بعدم السعادة وعدم الرِّضا والشعور بالعجز وعدم الكفاءة ، ممّا يؤدِّي إلى اعتلال في الصحَّة النفسية لديهم ، كما أنَّهم يتعرَّضون للضغوط النفسية أكثر من غيرهم بسبب معاناتهم من الظروف الماليَّة الصعبة التي تنتج عن البطالة .
2- الجانب الأمني للشباب:
هناك علاقة بين البطالة والجريمة ، فكلَّما زادت نسبة البطالة ارتفعت نسبة الجريمة ، ومن أهمِّ ما ورد في تلك الدراسات :
تعد جريمة السَّرقة من أبرز الجرائم المرتبطة بالبطالة.
السطو – الإيذاء: حيث أكَّدت دراسة أمريكية أنَّ ارتفاع البطالة بنسبة 1% يؤدِّي إلى ارتفاع نسبة جرائم القتل بـ 6.7% ، وجرائم العنف بنسبة 3.4% .
3- الجانب الاقتصادي للشباب:
الإنسان هو المورد الاقتصادي الأول ، وبالتالي فإنَّ أي تقدم اقتصادي يعتمد على الإنسان بإعداده علمياً حتى يُحقِّق دوره في الإسهام في نهضة المجتمع ، وتُضعِف البطالة من قيمة الفرد كمورد اقتصادي وتعمل على إهدار الطاقات البشرية .
البطالة المقنعة للشباب:
هي من أسوء أنواع البطالة وأكثرها حِدَّة في الدول المتخلفة ، وتعرف بأنَّها مقدار قوة العمل التي لا تعمل بشكل فعلي في النشاط المنتج ، ويمكن أن نرى ضمن إطار البطالة المقنَّعة ثلاث نماذج مختلفة وهي :
1- شباب دخلوا مجالات عملهم غير راغبين فيها ، بل مُجبرين وذلك بسبب ضيق مساحة الاختيار أمامهم ، خصوصاً في ظل سياسة معدلات القبول الجامعي من جهة ، والنظرة الاجتماعية لبعض التخصصات من جهة ثانية ، ومثال على ذلك المعلمون .
2- شباب أُجبروا على القيام بأعمال ليست من اختصاصهم لعدم وجود حاجة لاختصاصاتهم ، مثل خريجي التربية وهم يمارسون أعمال مالية أو حسابية .
3- شباب دخلوا أعمال تتوافق مع اختصاصاتهم ، لكنَّهم لا يقومون بأعمالهم على أكمل وجه والسبب هو الفراغ التربوي الذي يعيش في ظلِّه الشباب ، وهو أخطر الأنواع وأكثرها انتشاراً في القطاعات الإنتاجيَّة العامَّة في العالم العربي .
فإذا كانت البطالة المقنَّعة هي السبب الرئيسي في تدني الإنتاجية ، فهي أيضاً تستنزف قسماً كبيراً من الموارد المالية دون أن تنتج حيث تحوِّل العمل ليس كمقابل للأجر المقبوض لكنَّها وسيلة سهلة له ، ممّا يساعد بشكل خطير على تراكم الموظفين العاملين والمقنَّعين لدى الدوائر العامة والحكومية .