لو أردنا مقارنة الحياة البشرية في أوروبا في القرنين الرابع والخامس ميلادي، فلا بُدّ لنا أن نتحدث عن ولادة عصر جديد ألا وهو العصور الوسطى، فعندما نتحدث عن فَرق الحياة في أوروبا بين العصور القديمة والعصور الوسطى، فلا بُدّ لنا أن نلاحظ تغيّر ملامح الحياة في أوروبا.
المظاهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أوروبا في العصور الوسطى:
خلال النصف الثاني من القرن الخامس والنصف الأول من القرن السادس ميلادي، حدثت أحداث وانقلابات كثيرة، ففي عام 1453 ميلادي، سقطت القسطنطينية والإمبراطورية البيزنطية، في أيدي الأتراك العثمانيين، وبقيت الإمبراطورية الأوروبية مسيحية، وحلَّت مكانها إمبراطورية إسلامية تختلف عن السابقة بتقاليدها ونظامها وعقائدها.
المظهر السياسي:
في عام 1453 ميلادي، حدثت حرب المئة عام بين فرنسا وإنجلترا، وخلفت وراءها حركة قومية انتشرت بين الدولتين، ومن ثم انتشرت تلك الحركة بين جميع الدول، وفي النصف الثاني من القرن الخامس ميلادي في عام 1466 ميلادي، وانضمت بروسيا الغربية إلى بولونيا، وتم تحرير روسيا من الاستعمار الروسي في عام 1480 ميلادي، وفي عام 1493 ميلادي، تحررت أسباني من يد العرب، وظهرت في الساحة الأوروبية كدولة قوية ومستقرة وذات سيادة.
وفي النصف الأول من القرن السادس عشر ميلادي، ظهرت حركة إصلاحية في ألمانيا؛ ممّا جعل من ألمانيا أن تلعب دوراً مهماً في التاريخ، وكما قد قام في إيطاليا نهضة ثقافية كبيرة، رغم أن إيطاليا كانت فاقدة للوحدة السياسية، وفي ذلك تم تشكيل في أوروبا دول قومية عديدة، وظهرت فكرة التعدد في أوروبا بدلاً من الوحدة، التي من الصعب تحقيقها في أوروبا.
المظهر الاقتصادي والاجتماعي:
تغيرت الحياة في أوروبا في القرن الثالث عشر ميلادي، وأوضحت تلك المعالم في في القرنين الخامس عشر والسادس عشر ميلادي، وقد انقلب الاقتصاد الزراعي في أوروبا في العصور الوسطى، وقد أصبح اقتصاد صناعياً وتجارياً منفتحاً، وقد قامت ثورات برجوازية في أوروبا أطاحت بالنظام والعلاقات القطاعية في أوروبا، والتي كانت سائدة في أوروبا في العصور الوسطى، وقد كانت البورجوازية خطوة تقدمية في المجال الاقتصادي والاجتماعي، بالنسبة للنظام الإقطاعي.
وقد كانت تلك الثورات البرجوازية، عبارة عن قوى قام بها أقنان الأرض وعمال المدن ضد القطاعيين، وقد استغلوا تلك الثورة وعملوا على استلام الحكم، وقد نشطت التجارة بين الغرب والشرق، وذلك نتيجة انفتاح البحر الأبيض المتوسط أمام التجارة الأوروبية، بعد أن كان مغلقاً بوجه أوروبا، وتسيطر عليه دول الشرق. والعوامل التي ساعدت أيضاً في تطور الاقتصاد الأوروبي أيضاً، اكتشاف الدول الأوروبية البحرية المؤدية إلى أمريكا والهند، واهتمام الطبقة البرجوازية في أوروبا في الصناعة والتجارة الخارجية والداخلية.
المظهر الفكري:
كما أن هناك أفكار أخرى، ظهرت في أوروبا في المجتمع الأوروبي، في القرنين الخامس والسادس عشر ميلادي، فالمفاهيم الدينية المعروفة في العصور الوسطى أخذت تتغير، فأخذت بذلك العقلية الأوروبية تتحرر من سيطرة الدين، وكذلك دخلت الكنيسة أما الفكر العلماني بمجال السياسة والعلوم والفنون والاقتصاد، ففي العصور الوسطى استخدم الإقطاعين الديانة المسيحية والتعاليم الكنسية لنشر المفاهيم الفكرية، التي تلائم مصالحهم الاقتصادية وامتيازاتهم الطبقية.
كما احتكرت الكنيسة الأمور الثقافية وعملت على محاربة المفاهيم العلمية والأفكار الحرة التقدمية، التي تتعارض مع مصالح الطبقة الإقطاعية، وفي عصر النهضة قامت الحركة الإنسانية، التي قامت على بعث الثقافة الكلاسيكية (الرومانية واليونانية)، فأصبح الفن في أوروبا يضاهي أمجاد الآثار الإغريقية، واكتسبت العلوم نزعة تحررية، وشرع الأدباء والفلاسفة يهاجمون الأفكار الرجعية، وعملوا على نقد المفاهيم الدينية، وطالبوا بفصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية.
وبدأت بعدها الآلات الطابعة تنشر الأفكار الجديدة التقدمية، ولاقت صدى كبير في الأوساط الأوروبية، كما حدثت ضجة عالمية، نتيجة الاكتشافات الجغرافية وفتح القارة الأمريكية، والتعرف على الطرق البحرية، وكل تلك المعالم تنم عن ولادة عصور جديدة، ألا وهي العصور الأوروبية الحديثة، وحيث تم في تلك الفترة التعرف إلى الطرق البحرية المؤدية من جنوب القارة الأفريقية إلى الهند الشرقية.
وإن من استخدم كلمة العصور الوسطى، أو ما كانوا يسمونه بالعصر الوسيط، هم الأدباء الإيطاليين الإنسانيون في القرنين الخامس عشر والسادس عشر ميلادي، وقد كان الإيطاليون الإنسانيون، وخاصة “بترارك”، فَهُم معجبين جداً بالثقافة الكلاسيكية “الرومانية واليونانية”، وكانوا يعتبرون العصر الذين عاشوا فيه هو عصر النهضة وعشر بعث فيه التراث الكلاسيكي القديم، وكما كانوا يعتبرون الفترة الممتدة من فترة سقوط روما وعصر النهضة، اعتبروها فترة انحطاط وتأخر، وذلك بسبب حكم البربر فيها، والتي كانت فترة عقيمة، قام فيها البربر بطمس ملامح الحضارة في أوروبا.