المعايير والقيم عند بارسونز في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


المعايير والقيم عند بارسونز في علم الاجتماع:

ابتعد بارسونز عن النزعة الأمبيريقية الوصفية الاجتماعية، وكان يقول إنّ العلم لا يمكن أن يختصر إلى مجرد تراكم للمعطيات، بل عليه أن ينطلق من أسئلة، عليه أن يستند إلى إطار يضفي معنى على المعطيات الواقعية.

إحدى القضايا التأسيسية للسوسيولوجيا تقوم على أسس النظام الاجتماعي، وهذا ما يسميه بارسونز، سؤال هوبس كيف نعمل بطريقة أنّ الناس وهم، في  الطبيعية ذئاب فيما بينهم يقبلون العيش المشترك؟ قدمت الفلسفة الاجتماعية حلّين لهذا السؤال، جواب هوبس وهو اللوياثان المطلوب سلطة قوية هي الدولة، ترتفع فوق المجتمع وتثبت قوانين الحياة المشتركة، والجواب الثاني هو لوك أو آدم سميث، ينجم المجتمع عن عقد، عن المبادلات عن تلاقي المصالح المشتركة.

غير أنّ بارسونز يصرح بأنّه لا هذا الشرط ولا غيره يكفي من أجل وقاية النظام الاجتماعي، فالسلوكيات الاجتماعية ليست معينة فقط من خلال المصلحة الاستئثار أو الاستسلام إلى القوانين، وأن الفعل الاجتماعي معين أيضاً بالقيم وبالمعايير، هذا هو الجواب الذي يكشف عنه التقليد السوسيولوجي.

كما بيّن دور كايم وفيبر وباريتو أن هناك استقلالية للاجتماعي فيما يتجاوز فقط تبادل المصالح المجال الاقتصادي، والأخلاق المجال الديني، والقوانين المجال السياسي، ويوجد المجتمع أيضاً كمنظومة قيم وثقافات ومعايير.

ويمكن للأفعال الذاتية أن تتناغم فيما بينها ﻷنّ الفاعلين الاجتماعيين يتعاملون عن طريق معرفة وفهم وإدراك قيم المجتمع ومعاييره، كما تسمح السوسيولوجيا بحل مسألة النظام الاجتماعي على طريقتها.

وانطلاقاً من هذا التصور للفعل الاجتماعي ومن نظرة الباحث لتنشئة اجتماعية فوقية، سيطوّر بارسونز نموذجاً عاماً يهدف إلى فهم المنظومة الاجتماعية في مجملها، ففي كتاب المنظومة الاجتماعية 1951، ثم في كتب أخرى ظهرت بعده، سيدافع عن نظرة منظومية ووظيفة للمجتمع.

فلكي يمكن أن يظهر مجتمع مستقر، لا بدّ من أن يستجيب إلى عدّة وظائف، التكيف مع المحيط الذي يؤمن بقاء المجتمع، ثم متابعة الأهداف، ﻷنّ المنظومة لا تقوم بوظيفتها إلا إذا اتجهت صوب هدف ما، ثم اندماج الأعضاء بالزمرة، وأخيراً المحافظة على الأنماط والمعايير.

كما تنسجم مع كل وظيفة من هذه الوظائف منظومة ثانوية، فالمنظومة الثانوية الاقتصادية تستهدف التكيف، والمنظومة الثانوية السياسية مكلفة بتعين الغايات، والمنظومة الثانوية الثقافية (دين، مدرسة) مكلفة بتحديد المعايير والقيم وبصيانتها، أخيراً المنظومة الثانوية الاجتماعية مكلفة بالاندماج الاجتماعي.


شارك المقالة: