المفهوم النظري للمسؤولية الاجتماعية وإطارها الأيديولوجي:
ينبغي أن نحلل المفهوم النظري للمسؤولية الاجتماعية داخل الإطار الأيديولوجي للصناعة الأمريكية الذي يشكل جزءاً من العقيدة السياسية للمجتمع الأمريكي، فالمشروعات الصناعية، مهما كان حجمها لا يمكنها أن تتخطى هذا الإطار الأيديولوجي وتتعداه إلى شيء آخر يخالف مضمونه أو يتنافى مع جوهره ويكون مفروضاً عليها من خارجه، وهذه بديهية كانت مائلة أمام كل الذين تناولوا المفهوم النظري للمسؤولية الاجتماعية بالدراسة والتحليل.
والإطار الأيديولوجي للصناعة يشتمل على أنماط التفكير التي تميز رجالها فيما يتصل بمعتقداتهم وقيمهم وأهدافهم، ولذلك فهو يمثل الفلسفة الخاصة بهم، ويتصف الإطار الأيديولوجي بصفات مميزة، فهو اختياري بمعنى أنه لا يغطي كل الجوانب المتعلقة بمصالح رجال الصناعة، وهو يقوم على الآراء البديهية والتعاليم والحجج المنطقية والقيم الذاتية، وهو يعكس المصالح الخاصة لأنه وضع ليخدم أغراض رجال الصناعة أنفسهم، ويشبع رغبتهم الإنسانية في أن تكون تجربتهم مشروحة ومفسرة للآخرين.
وإذا كانت الأيديولوجيات توضع بصفه عامة للوفاء بعدد من الأغراض التي تستصوبها الجماعات التي تعتنقها، فإنه يمكن القول أن أيديولوجية الصناعة الأمريكية وضعت لتفي باحتياجات رجال الصناعة، مثل تبرير تصرفات المشروعات الصناعية، ووصف المثل التي تعتنقها وتأسيس القواعد التي يحكم على أساسها للمشروعات الصناعية وسياستها وقادتها أو عليها وعليه، وشرح مبررات الفشل في حالة حدوثه.
مضمون أيديولوجية الصناعة:
ويرى سيمور هاريس وزملاؤه أن مضمون أيديولوجية الصناعة يمكن أن يفهم بطريقة أفضل على ضوء الضغوط التي يتعرض لها رجال الصناعة خلال تأديتهم لأعمالهم، فهم يؤيدون أيديولوجيتهم الخاصة، ﻷنها تساعدهم على مواجهة شتى أنواع الصراعات العاطفية والقلق والشكوك المترتبة على تصرفاتهم التي تضطرهم إليها أعمالهم الإدارية، إلى جانب الصراعات الأخرى الناتجة عن أدوارهم الأخرى في حياتهم الخاصة، كأفراد في أسر وفي مجتمعات محلية داخل إطار من التقاليد أو القيود الثقافية المقبولة من المجتمع.
وعلى ذلك فإن مضمون أيديولوجية الصناعة وضع ليحل لهم هذه الصراعات جميعها، وليخفف عوامل القلق وليتغلب على أسباب الشك، ومعنى هذا الإطار الأيديولوجي لرجال الصناعة يساعدهم على الاحتفاظ بقدراتهم السيكولوجية في مواجهة متطلبات مهنتهم، كما أن له أهمية وظيفية بالنسبة لأولئك الذين تقع عليهم نتائج تصرفات رجال الصناعة بصفة خاصة، وبالنسبة للمجتمع كله بصفة عامة.
كما أن الإطار الأيديولوجي لرجال الصناعة قد يساعد على التقليل من التغيرات والاصلاحات المهنية، إن لم يمنعها، لأنه يعطيهم الوقت اللازم لإيجاد أساليب يتكيفون بها مع هذه التغيرات وهنا قد ينقلب رجل الصناعة إلى رجل محافظ وجامد، على الرغم من أنه مطلوب منه دائماً أن تكون عنده القدرة على التخطيط للتغيرات المقبلة داخل مجال تخصصه.