المقاربة التفاعلية للثقافة:
كان العالم سايبر بلا شك من أوائل الذين اعتبروا الثقافة عبارة عن نسق اتصال بين الأفراد لدى توضيحه، أن موقع الثقافة الحقيقي هو التفاعلات الفردية.
إن الثقافة بالنسبة إليه عبارة عن مجموعة من الدلالات التي يتداولها أفراد مجموعة معينة، من خلال تلك التفاعلات في الآن نفسه، حيث كان يناقض التصورات المأهولة للثقافة، وبدلاً من تعريف الثقافة بجوهر ما كان من المفترض أن يطالب بتحليل صيرورة بناء الثقافة.
بعد ذلك قد تولى كتّاب آخرون هذه الأعمال، حيث تطور في الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة الخمسينات، وخاصة حول غريغوري باتوزون ومدرسة العالم بالو في تيار سمي” أنثروبولوجيا الاتصال”، الذي يولي اعتبار مساوي لما يكون بين الأفراد من اتصال كلامي وغير كلامي.
الاتصال ليس مقتصراً على أنه العلاقات الثقافية الفردية تندمج وفق نموذج وطابع فردي، كما يجب على كافة الأفراد وبشكل جماعي إنتاج كافة الأعمال الثقافية ضمن مفهوم متضامن، كما أن جهد علماء الأنثروبولوجيا كانت سمت الثقافة لديهم تتمثل في تحليل صيرورات التفاعل التي تنتج الكثير من الأنساق المتبادلة ضمن الطابع الثقافي.
التفاعلات المقاربة للثقافة وآثارها:
حيث إنه لا يكفي وصف هذه التفاعلات وأثارها، بل يجب أخذ سياق التفاعلات بعين الاعتبار أيضاً، ذلك أن كل سياق يقوم بفرض قواعده ويفترض أمور معينة لدى مجموعة من الأفراد، إن تعدد سياقات التفاعل الثقافي يفسر الخاصية التعددية وغير المستقرة في كل ثقافة من الثقافات.
التصرفات التي تبدو متناقضة لدى الفرد الواحد الذي لا يكون على الرغم من ذلك في وجود تناقض نفساني مع ذاته، لذلك يصبح ممكناً عبر هذه المقاربة التفكير في لاتجانس ثقافة ما، بدل من الإصرار على العثور على تجانس وهمي لها.
تؤدي المقاربة التفاعلية إلى التشكيك في القيمة التفسيرية لمفهوم الثقافة الفرعية، أو على الأصح عملية التمييز بين مصطلح الثقافة والثقافة الفرعية، فإذا ما كانت الثقافة وليدة التفاعل بين الأفراد والتفاعل بين مجموعات الأفراد، فإنه من الخطأ القيام في أخذ الثقافة الفرعية على أنها تنويع مشتق من الثقافة الشاملة، تلك الثقافة التي تكون سابقة لها في الوجود.
إن صياغة مفهومي الثقافة والثقافة الفرعية يستند إلى المصدر المرجعي لعالم الثقافة، إذ يكون ذلك بناء على الطريقة التي يرى بها علماء الاجتماع تطور العالم الثقافي.